التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من استحيا فأمر غيره بالسؤال

          ░51▒ بَاب: مَنِ اسْتَحْيَا فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِالسُّؤَالِ
          132- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حدَّثَنا عَبدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُنْذِرٍ الْثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ ☺ قَالَ: (كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً، فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صلعم فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: فِيهِ الْوُضُوءُ).
          الكلام عليه مِنْ أوجهٍ:
          أحدها: هذا الحديث أخرجه البخاريُّ أيضًا في الطَّهارة كما سيأتي، ورواه مسلمٌ في الطَّهارة عن أبي بكرٍ عن وكيعٍ وغيره، وعن يحيى بن حبيبٍ عن خالد بن الحارث عن شعبة عن الأعمش به.
          ثانيها: في التَّعريف برواته غير مَنٍ سلف.
          أمَّا منذرٌ فهو أبو يَعلى منذر بن يَعلى الثَّوريُّ الكوفيُّ الثِّقة، عن ابن الحنفيَّة وغيره، وعنه فطرٌ وغيره، قال منذرٌ: لزمت محمَّد بن الحنفيَّة حتَّى قال بعض ولده: لقد غلبنا هذا النَّبطيُّ على أبينا.
          وأمَّا عبد الله بن داود فهو أبو عبد الرَّحمن عبد الله بن داود بن عامر بن الرَّبيع الخُرَيْبيُّ البصريُّ الهمدانيُّ الشَّعبيُّ، أصله كوفيٌّ، نزل البصرة بالخُرَيبة وهي محلَّةٌ فيها.
          روى عن هشامٍ وغيره، وعنه بُنْدارٌ وغيره، ثقةٌ حُجَّةٌ ناسكٌ، قال: ما كذبت كذبةً قطُّ إلَّا مرَّةً في صغري، قال لي أبي: ذهبت إلى الكتاب؟ قلت: نعم، ولم أكن ذهبت، قال أبو حاتمٍ: وكان يميل إلى الرَّأي، مات سنة ثلاثَ عشرةَ ومائتين.
          فائدةٌ: ليس في البخاريِّ والأربعة عبد الله بن داود غير هذا، نعم، في التِّرمذيِّ آخر واسطيٌّ مختلَفٌ في ثقته.
          ومحمَّد بن الحنفيَّة: أبوه عليٌّ، والحنفيَّة أمُّه، يروي عن أبيه وعثمان وغيرهما. وعنه بنوه وعمرو بن دينار وغيره، مات سنة ثمانين على المشهور، ابن سبعٍ وستِّين سنةً.
          ثالثها: في ألفاظه:
          قوله: (كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً) هو بتشديد الذَّال المعجمة والمدِّ، فعَّالٌ مِنَ المذي، أي كثير المذي، وهو بإسكان الذَّال على الأفصح، وفيه لغةٌ ثانيةٌ: كسر الذَّال مع تشديد الياء، وثالثةٌ: كسرها مع تخفيف الياء، ويقال: أمذى ومذَّى ومذَى بتشديد الذَّال وتخفيفها، وهذه الثَّلاث في المني والودي.
          والمذي: ماءٌ أبيض رقيقٌ يخرج بلا شهوةٍ عند الشَّهوة، وهو في النِّساء أغلب منه في الرِّجال، وفي المثل: كلُّ ذكرٍ يَمْذي، وكلُّ أنثى تَقْذي، أي تلقي بياضًا.
          رابعها: في فوائده:
          الأولى: إيجاب الوضوء منه وهو إجماعٌ، وللبخاريِّ في الطَّهارة: «توضَّأ واغسل ذَكَرك».
          ولمسلمٍ: ((توضَّأ وانضِح فرجك)).
          والمراد: غسل ما أصابه منه، واختلف عن مالكٍ في غسل الذَّكر كلِّه وهل يحتاج إلى نِيَّةٍ أمْ لا؟
          الثَّانية: جَواز الاستنابة في الاستفتاء.
          الثَّالثة: جواز الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة على المقطوع لأنَّ عليًّا بعث مَنْ يسأل مع القدرة على المشافهة، وإن كان جاء في النَّسائيِّ أنَّه كان حاضرًا وقت السُّؤال إذ فيه: فقلت لرجلٍ جَالسٍ إلى جنبي: سله، فقال: ((فيه الوضوء)).
          الرَّابعة: عموم قضايا الأحوال، وفيه خلافٌ في الأصول.
          الخامسة: استحباب حسن العشرة مع الأصْهار، وأنَّ الزَّوج ينبغي ألا يذكر ما يتعلَّق بالجماع والاستمتاع بحضرة أبي المرأة وأخيها وغيرهما مِنْ أقاربها، لأنَّ المذي غالبًا إنَّما يكون عند الملاعبة.
          السَّادسة: خصَّ أصحاب مالكٍ إيجاب الوضوء بما إذا حصل المذي عن ملاعبةٍ لأنَّ في «الموطَّأ» أنَّه سأل عن الرَّجل إذا دنى مِنْ أهله وأمذى، ماذا يجب عليه؟
          فالجواب خرج على مثله في المعتاد بخلاف المستنكح، والذي به عِلَّةٌ فإنَّه لا وضوء عليه، ويدلُّ عليه استحياء عليٍّ إذ لو كان عنْ مرضٍ أو سَلَسٍ لم يستحي منه.
          وعمَّم الشَّافعيُّ وأبو حنيفة فأوجبا منه الوضوء عملًا بإطلاق سؤال المقداد.
          وفي «سنن أبي داود» عنه قال: كنتُ رجلًا مذَّاءً فجعلتُ أغتسل حتَّى تشقَّق ظهري، وهذا دالٌّ على كثرة وقوعه منه ومعاودته.
          السَّابعة: جاء أيضًا أنَّه أمر عمارًا أن يسأل، وجاء أيضًا أنَّه سأل بنفسه فيحمل على أنَّه أرسلهما ثمَّ سأل بنفسه. /
          الثَّامنة: جاء في أبي داود الأمر بغسل الأنثيين أيضًا، وعلِّلت بالإرسال وغيره، وقال بعضهم بوجوب ذلك والجمهور على خلافه.
          وأُوِّلت هذه الرِّواية على الاستظهار، وفي بعض أحوال انتشاره، ويُقَال: إنَّ الماء البارد إذا أصاب الأنثيين ردَّ المذي وكسره.