التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب هل يجعل للنساء يوم على حدة في العلم؟

          ░35▒ بَاب هَلْ يُجْعَلُ لِلنِّسَاءِ يَوْمٌ عَلَى حِدَةٍ فِي الْعِلْمِ
          101- حَدَّثَنَا آدَمُ حدَّثنا شُعْبَةُ حَدَّثَنِي ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: (قَالَتْ النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ _صلعم_: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ، فَوَاعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ، فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ، فَكَانَ ممَّا قَالَ لَهُنَّ: مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلَاثَةً مِنْ وَلَدِهَا إِلَّا كَانَ لَهَا حِجَابًا مِن النَّارِ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: وَاثْنَيْنِ؟ فَقَالَ: وَاثْنَيْنِ).
          102- حَدَّثَنَا محمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَن النَّبِيِّ _صلعم_ بِهَذَا، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَة قَالَ: (ثَلَاثَةً لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ).
          الكلام عليه مِن أوجهٍ:
          أحدُها: هذا الحديث أخرجه البخاريُّ في مواضعَ: هنا كما ترى، وفي الجنائز عن مسلمٍ عن شعبةَ به، وعن بُنْدارٍ عن غُنْدَرٍ عن شُعبةَ به، وزاد غُندَرٌ طريق أبي هُرَيرَة قال البخاريُّ: وقال شَريكٌ عن ابن الأصبهانيِّ: حدثني أبو صالحٍ عن أبي سعيدٍ وأبي هُرَيرَة عن النبي _صلعم_ قال أبو هُرَيرَة: ((ثَلَاثةً لَمْ يَبْلُغُوا الحِنْثَ)) ورواه في كتاب الاعتصام عن مسدَّدٍ عن أبي عَوانةَ عن ابن الأصبهانيِّ عن أبي صالحٍ عن أبي سعيدٍ.
          وأخرجه مسلمٌ في الأدب عن أبي كاملٍ عن أبي عَوانةَ، وعن أبي موسى وبُندارٍ عن غُندَرٍ عن شُعبةَ وعن عبد الله بن مُعاذٍ عن أبيه، عن شُعبةَ / كلاهما عن ابن الأصبهانيِّ عن أبي سعيدٍ به.
          وزاد في حديثِ شُعبةَ طريق البخاريِّ عن أبي هُرَيرَة، وسيأتي في الجنائز [خ¦1248] من حديث أنسٍ مرفوعًا: ((مَا مِنَ النَّاسِ مِنْ مُسْلِمٍ يُتَوفَّى لَهُ ثَلَاثةٌ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ، إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ))، ورواه مسلمٌ بلفظ: ((لَا يموتنَّ ثَلاثةٌ مِنَ الوَلَدِ فَتَحْتَسِبَهُ إِلَّا دَخَلَتِ الجَنَّةَ)). وفيهما من حديث أبي هُرَيرَة مرفوعًا: ((لَا يَمُوتُ لِأَحدٍ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ ثَلَاثةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ القَسَمِ)). وأخرج في الرقاق مِن حديثه أيضًا: ((يَقُولُ اللهُ _تَعَالَى_: مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلَّا الجنَّةُ)).
          ثانيها: في التَّعريف برُواته غيرِ مَن سلف التَّعريفُ به:
          فأبو حازمٍ اسمُه سلمانُ الأشجعيُّ، مولى عزَّةَ الأشجعيَّةِ، مات في خلافة عمرَ بن عبد العزيز، وهو كوفيٌّ تابعيٌّ ثقةٌ.
          قلتُ: وأبو حازمٍ سَلَمةُ بن دِينارٍ الزاهدُ آخرُ، يروي عن سهل بن سعدٍ، وعنه مالكٌ وغيرُه، وهو ثقةٌ، مات سنةَ خمسٍ وثلاثين ومئةٍ، وقيل: سنة ثلاثٍ، وقيل: بعد الأربعين.
          وابنُ الأَصبهانيِّ: عبدُ الرَّحمن بنُ عبدِ الله الكوفيُّ، مولًى لجَدِيلةِ قيسٍ _وهم بطنٌ مِن قيسِ عَيلانَ_، وهم: فَهْمٌ وعَدْوانُ ابنا عمرَ بنِ قيسٍ، أمُّهم جَديلةُ _بفتح الجيم_ نُسبوا إليها، أصلُه مِن أصبهانَ، خرج منها حين افتتحها أبو موسى الأشعريُّ، قال أبو حاتمٍ: لا بأسَ به، مات في إمارة خالدٍ على العراق، قاله ابنُ مَنْجُوَيْهِ.
          ثالثها: في ألفاظه:
          المراد بالحِنث: الإثم، المعنى: أنَّهم ماتوا قبل بلوغهم التَّكليف، فلم تُكتب عليهم الآثامُ، وخصَّ الحكم بالذين لم يبلغوا الحِنث _وهم الصِّغار_ لأنَّ قلبَ الوالدَين على الصَّغير أرحَمُ وأشفق دونَ الكبير؛ لأنَّ الغالبَ على الكبيرِ عدمُ السَّلامة مِن مُخالفة والدَيه وعُقوقِهم.
          وقوله _صلعم_: (إِلَّا كَانَ لَهَا) كذا جاء هنا (كان)، وفي كتاب الاعتصامِ ومسلمٍ: ((إلَّا كانُوا لها))، وفي البخاريِّ في الجنائز: ((إلَّا كنَّ لَها)) وأتى بلفظ التأنيث على معنى النَّسَمة والنَّفْس كقوله _تعالى_: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر:29].
          وقوله: (وَاثْنَيْنِ) قاله بوحيٍ عَقِبَ السُّؤال ويجوز أن يكونَ قبلَه، والمراد بالحِدَة في تبويب البخاريِّ: النَّاحية، يعني: منفرداتٍ وحدَهُنَّ، والهاء في آخر الكلمة عوضٌ من الواو المحذوفة من أوَّل الكلمة كما فعلوا في عِدَةٍ وزِنَةٍ أصلها وَعْدةٌ ووَزْنةٌ مِن الوعد والوزن.
          رابعها: في فوائده:
          الأولى: فضلُ تقديم الأولاد، وقد جاء في «التِّرمذيِّ» _وقال: غريبٌ_ و«ابنِ ماجه» ذِكْرُ الواحدِ مِن حَدِيث ابنِ مَسْعودٍ مَرْفوعًا: ((مَنْ قَدَّمَ ثَلَاثَةً مِنَ الوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ كَاْنُوا لُهُ حِصْنًا حَصِيْنًا مِنَ النَّارِ)) فقال أبو ذَرٍّ: قدَّمتُ اثنين قال: ((وَاثْنَيْنِ))، قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: قَدَّمْتُ وَاحِدًا قال: ((وَوَاحِدًا)).
          واستنبط القابِسيُّ وغيرُه الواحدَ مِن حديث أبي هُرَيرَة السَّالف في الرِّقاق [خ¦6424]، وهذا صريحٌ فيه.
          الثَّانية: ما تَرجم له، وتَرجم عليه في الجنائز: فَضْلُ مَنْ مَاتَ لَهُ وَلَدٌ فَاحْتَسَبَ، والاحتساب والحُسْبة والحِسبان بالكسر: ادِّخار الأجر عند الله، وأن يَعتبر بمصابه ويَحتسبَه مِن حسناته، فهذا الثواب حاصلٌ لمن احتسب أجره على الله وصَبَرَ.
          الثَّالثة: أنَّ مفهوم العدد لا يدلُّ على الزَّائد ولا على النَّاقص، لقولها: (واثنين يا رسولَ الله؟) وهي من أهل اللِّسان، كذا قاله عياضٌ وابنُ بطَّالٍ وغيرُهما، وفيه نظرٌ.
          الرَّابعة: أنَّ أولاد المسلمين في الجنَّة، لأنه إذا أُدخِل الآباء الجنَّة بفضل رحمة الأبناء فالأبناءُ أولى بها.
          قال المازِريُّ: وهو إجماعٌ في حقِّ أطفال الأنبياء، وقولُ الجمهورِ في أولاد مَن سِواهم مِن المؤمنين، وبعضُهم لا يحكي خلافًا، ويحكي الإجماعَ على دخولهم الجنَّة، ويَستدلُّ بظاهر الأحاديثِ والآياتِ وبعضِ الآثار، قال _تعالى_: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا}الآية[الطور:21].
          وبعض المتكلِّمين يقف فيهم ولا يرى نصًّا مقطوعًا به بكونهم فيها، ولم يثبُتِ الإجماعُ عندهم.
          قلتُ: وما أبعدَه! فالصَّواب القطع بالإجماع.
          الخامسة: سؤال النساء عن أمرِ دينهنَّ، وجواز كلامهنَّ مع الرجال في ذلك، وفيما تمسُّ الحاجة إليه، وقد أُخِذ العلم عن أمَّهات المؤمنين وعن غيرهنَّ من نساء السَّلَف.