التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما كان النبي يتخولهم بالموعظة

          ░11▒ باب مَا كَانَ النَّبِيُّ صلعم / يَتَخوَّلُهُم بالْمَوعِظَةِ والعِلْمِ كَيْ لَاْ يَنْفِرُوا.
          ذكر فيه حديث ابن مسعودٍ وحديث أنسٍ.
          68- أمَّا حديث ابن مسعودٍ فقال في سياقته: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أخبرنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صلعم يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الْأَيَّامِ كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا).
          والكلام عليه مِنْ وجوهٍ:
          أحدها: هذا الحديث أخرجه إثر الباب الذي بعده، عن عثمان بن أبي شيبة، حدَّثنا جريرٌ، عن منصورٍ عن أبي وائلٍ، وأخرجه في الدَّعوات عن عمر بن حفصٍ عن أبيه عن الأعمش به.
          وأخرجه مسلمٌ في التوبة، عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيعٍ وأبي معاوية، وعن ابن نميرٍ عن أبي معاوية، وعن الأشجِّ عن ابن إدريس، وعن مِنجابٍ عن عليِّ بن مُسهِرٍ، وعن إسحاق بن إبراهيم وابن خَشْرمٍ عن يونس، وعن ابن أبي عمر عن سفيان كلُّهم: عن الأعمش، زاد الأعمش في رواية ابن مُسهرٍ: وحدَّثني عمر بن مرَّة عن شقيقٍ عن عبد الله مثله.
          ثانيها: في التَّعريف برواته:
          وقد سلفوا غير محمَّد بن يوسف، وهو: الإمام الثِّقة أبو عبد الله محمَّد بن يوسف بن واقدٍ الفَريابيُّ الضَّبِّيُّ مولاهم، سكن قَيْسَارِيَّة مِنْ ساحل الشَّام.
          أدرك الأعمش وروى عنه وعن السُّفْيَانَيْن وغيرهم، وعنه: أحمد والذُّهليُّ وغيرهما، أكثر عنه البخاريُّ، وروى في الصَّداق عن إسحاق غير منسوبٍ عنه، وروى مسلمٌ والأربعة عن رجلٍ عنه.
          وقال البخاريُّ: كان مِنْ أفضل أهل زمانه، وقال أحمد: كان رجلًا صالحًا، ووثَّقه النَّسائي وغيره. مات في ربيعٍ الأوَّل سنة اثنتي عشرة ومائتين.
          ثالثها: معنى (يَتَخَوَّلُنَا) بالخاء المعجمة: يصلحنا ويقوم علينا، يقال: خال المال يخول خولًا إذا ساسه وأحسن القيام / عليه، والخائل المتعاهد للشَّيء المصلح له، وقال الخطَّابيُّ: يتخولُّنا: يتعهَّدنا ويراعي الأوقات في وعظنا ويتحرَّى منها ما كان مظنَّة القبول، ولا يفعله كلَّ يومٍ لئلَّا نسأم، ومثله: التخوُّن بالنُّون.
          وقال أبو عمرٍو الشَّيبانيُّ فيما حكاه صاحب «الغريبين»: الصَّواب يتحوَّلنا، بالحاء المهملة، أي: يطلب أحوالهم التي ينشطون فيها للموعظة فيعظهم ولا يكثر عليهم فيملُّوا، وكان الأصمعيُّ يرويه يتخَوَّنُنا، بالنُّون والخاء المعجمة، أي: يتعهَّدنا، حكاه صاحب «مجمع الغرائب» وابن الأثير.
          رابعها: (السَّآمَةِ): الملل، يقال: سَئِمت أَسأَم سَأَمًا وسَآمًا وسَآمةً إذا مللته، ورجلٌ سَؤومٌ.
          خامسها: أراد النَّبيُّ صلعم الرِّفق بأمَّته، ليأخذوا الأعمال بنشاطٍ وحرصٍ عليها، وقد وصفه تبارك وتعالى بذلك حيث قال: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} الآية [التوبة:128].