عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

بيان اللغات
  
              

          بَيانُ اللُّغاتِ:
          قولُهُ: (وَالوَقَارُ) بفتح الواو: الرَّزانَة، (والسَّكَيِنْةُ) السكونُ، وقال الجَوْهَريُّ: «السَّكينَةُ» الوداعُ والوقارُ.
          قولَهُ: (اسْتَعْفُوا) مِنَ الاستعفاءِ؛ وهو طلب العَفْو، والمعنى: اطلبوا له العَفو مِنَ اللهِ، كذا هو في أكثرِ الروايات بالعَين المُهْمَلة والواو في آخرِهِ، وفي روايةِ ابن عساكرَ: <اسْتَغْفِروا> بغينٍ مُعْجَمةٍ وراءٍ، مِنَ الاستغفارِ، وهي روايَةُ الأَصِيلِيِّ في «المُسْتَخْرَج».
          بيانُ الإعرابِ:
          قولُهُ: (سَمِعْتُ) جُملَةٌ مِنَ الفِعل والفاعِلِ، و(جَرِيرَ بنَ عَبدِ اللهِ) مفعولُه، وفيه تقديرٌ لا يَصِحُّ الكلامُ إلَّا بِهِ؛ لأنَّ جَريرًا ذاتٌ، والمسموعُ هو الصوتُ والحروفُ؛ وهو سَمِعتُ قولَ جَرير بن عبد الله أو نحوَهُ، فلمَّا حُذِفَ هذا؛ وقعَ ما بعده تفسيرًا له؛ وهو قولُهُ: (يَقولُ)، و(يَومَ) نَصبٌ على الظَّرف، أُضِيفَ إلى الجملَةِ؛ أعني قولَه: (مَاتَ المغيرةُ بن شُعْبَةَ).
          قوله: (قَامَ) جُملَةٌ استئنافيَّةٌ لا مَحلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
          قولُهُ: (فَحَمِدَ اللهَ) عطفٌ عليه؛ أي: عَقِيبَ قيامِهِ حَمِدَ الله تعالى.
          قوله: (عَلَيْكُمْ) اسمٌ مِنْ أسماء الأفعال؛ معناه: الزَموا اتِّقاءَ الله.
          قوله: (وَحْدَهُ) نصبٌ على الحاليَّةِ وإنْ كانَ مَعْرِفَةً؛ لأنَّهُ مُؤوَّلٌ إمَّا بأنَّهُ في معنى (واحدٍ)، وإمَّا بأنَّهُ مَصدرُ وَحَدَ يَحِدُ وَحْدًا؛ نحو: (وَعَدَ يَعِدُ وَعْدًا).
          قوله: (لَا شَرِيكَ لَهُ) جملَةٌ تُؤكِّدُ معنى (وَحْدَهُ).
          قولهُ: (وَالوَقَارِ) بالجَرِّ، عطفٌ على (بِاتِّقاءِ اللهِ) أي: وعليكُم بالوَقارِ والسكونِ.
          قوله: (حَتَّى يَأْتِيَكُمْ أَمِيرٌ) كلمةُ (حتَّى) هذه للغايَةِ، و(يَأْتِيَكُم) منصوبٌ بـ(أنْ) المقدَّرة بعدَ (حَتَّى).
          فإنْ قُلتَ: هذا يقتضي ألَّا يكونَ بعد إتيانِ الأميرِ الاتقاءُ والوَقار والسكون؛ لأنَّ حُكمَ ما بعد (حَتَّى) التي للغايَةِ خلافُ ما قبلَها.
          قلتُ: قال الكَرمانيُّ: لا نُسلِّمُ أنَّ حُكمَهُ خلافُ ما قَبْلَه، سَلَّمنا، لكنَّهُ غايةٌ للأمْرِ بالاتِّقاءِ للأمورِ الثلاثةِ، أو غايَةٌ للوَقارِ والسُّكونِ، لا للاتِّقاءِ، أو غايةٌ للثَّلاثِ، وبعدَ الغاية _يعني: عند إتيانِ الأميرِ_ يَلْزَمُ ذلك بالطريقِ الأولى، وهذا مَبْنِيٌّ على قاعِدَةٍ أصوليَّةٍ؛ وهي أنَّ شَرْطَ اعتبارِ مَفهومِ المخالَفَةِ فُقْدانُ مَفهومِ الموافَقَةِ، وإذا اجتمعا؛ يُقَدَّم المفهومُ الموافِقُ على المخالِفِ.
          قلتُ: مفهوم الموافَقَةِ: ما كانَ حُكمُ المسكوتِ عنه [موافقًا لِحُكم المنطوقِ بِهِ؛ كمفهومِ تحريم الضَّرْبِ للوالدينِ؛ مِن تَنصيصِ تَحريم التأفيفِ لَهُما، ومَفهومُ المُخَالَفةِ: ما كان حُكمُ المسكوتِ عنه] مخالفًا لْحُكْمِ المَنْطُوق؛ كفهم نفي الزَّكاة عنِ العُلوفَةِ بتنصيصه صلعم على وجوبِ الزَّكاة في الغَنَم السَّائِمَة.
          قوله: (فَإِنَّمَا يَأْتِيكُمْ) أي: الأميرُ، وكلمة (إنَّما) مِن أداةِ الحَصْر.
          قوله: (الآنَ) نصبٌ على الظرفِ.
          قوله: (فَإِنَّهُ) الفاءُ فيه للتعليلِ، وقوله: (كَانَ يُحِبُّ العَفْوَ) جملَةٌ في محلِّ الرفعِ، على أنَّها خَبَرُ (إِنَّ).
          قوله: (أَمَّا بَعْدُ) كلمَةُ (أمَّا) فيها معنى الشَّرطِِ؛ فلذلِكَ كانَتِ الفاءُ لازِمَةً لها، و(بَعْدُ) مِنَ الظروف الزمانيَّة، وكثيرًا ما يُحْذَفُ منه المضافُ إليه، ويُبْنَى / على الضمِّ، ويُسمَّى غايةً، وههنا قد حُذِفَ؛ فلذلِكَ [بُنِيَ على الضَّمِّ، والأصل: أمَّا بَعدَ الحمدِ لله والثَّناءِ عَلَيهِ، أو التقدير: أمَّا بعد كلامِي هذا؛ فإنِّي أتيتُ.
          قولُهُ: (قُلْتُ) جملَةٌ مِنَ الفعلِ والفاعلِ بدلٌ عن قولِهِ: (أَتَيْتُ) ؛ فلذلِكَ]
تركَ العاطِفَ؛ حيثُ لَمْ يَقُلْ: وَقُلْتُ، أو هي استئنافٌ.
          وقولُهُ: (فشَرَطَ عَلَيَّ) بتشديدِ الياء في (عَلَيَّ) على الأصحِّ مِنَ الرواياتِ، والمفعولُ مَحذوفٌ؛ تقديرُهُ: فشَرَطَ عَلَيَّ الإسلامَ.
          قوله: (وَالنُّصْحِ) بالجَرِّ؛ لأنَّهُ عَطفٌ على (الإِسْلَامِ) أي: وعلى النُّصْحِ لكلِّ مُسلمٍ، ويجوزُ فيهِ النَّصبُ عَطْفًا على مَفعول (شَرط) المُقدَّر؛ [تقديرُهُ: وشَرَطَ النُّصحَ لكلِّ مُسلمٍ.
          قوله: (عَلَى) هذا إشارَةٌ إلى المذكورِ مِنَ (الإسلامِ) و(النُّصحِ) كلَيهما]
.
          قوله: (وَرَبِّ هَذَا المَسْجِدِ) الواو فيه للقَسَمِ، وأشارَ به إلى مَسجدِ الكُوفَةِ، وقوله: (إِنِّي لَنَاصِحٌ) جوابُ القَسَمِ، وأكَّدَهُ بـ(إنَّ) واللَّام والجملَةِ الاسميَّة.
          [قولُهُ: (وَنَزَلَ) أي: عن المِنْبَرِ، أو معناه: قَعَدَ؛ لأنَّهُ في مُقابَلَة: (قامَ) ؛ فافْهم].