عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب ظلم دون ظلم
  
              

          ░23▒ (ص) بابٌ: ظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ.
          (ش) الكلامُ فيه على وجهين:
          الأوَّل: وجهُ المناسبة بين البابين أَنَّ المذكورَ في الباب الأوَّل هو أنَّ الله تعالى سَمَّى البُغاةَ مؤمنِين، ولم يَنْفِ عنهم اسمَ الإيمان مع كونِهم عُصاةً، وأنَّ المعصية لا تُخرِجُ صاحبَها عن الإيمان، ولا شَكَّ أنَّ المعصية ظلمٌ، والظلم في ذاتِه يخْتَلِفُ، والمذكورُ في هذا الباب الإشارةُ إلى أنواع الظلمِ؛ حيث قال: (ظُلْمٌ دون ظُلْمٍ)، وقال ابن بَطَّالٍ: مقصودُ الباب أنَّ تَمَام الإيمانِ بالعمل، وأنَّ المعاصيَ يَنْقُصُ بها الإيمانُ، ولا تُخرجُ صاحبَها إلى كفرٍ، والناسُ مختلفون فيه على قَدْرِ صِغَرِ المعاصي وكبَرِها.
          الثاني: قوله: (بَابٌ) لا يُعرَبُ إلَّا بتقدير مبتدأٍ قبلَه؛ لأنَّا قد قُلنا غيرَ مرَّةٍ: إنَّ الإعرابَ لا يكون إلَّا بعدَ التركيب، ولا يُضافُ إلى ما بعده، والتَّقديرُ في الحقيقة: هذا بابٌ يُبيَّنُ فيه ظُلْمٌ دونَ ظلم، وهذا لَفْظُ أَثَرٍ رواهُ أحمدُ في كتاب «الإيمان» مِن حديث عَطَاءِ بن أبي رَبَاح وغيرِه، أخذَهُ البُخَاريُّ ووضَعَهُ ترجمةً، ثم رتَّبَ عليه الحديثَ المرفوع.
          ولفظةُ (دون) إِمَّا بمعنى (غير) يعني: أَنواعُ الظلمِ مختلفةٌ مُتَغايرة؛ وإِمَّا بمعنى (الأَدْنَى) يعني: بعضُها أشدُّ في الظُّلْمِيَّة وسوءِ عاقبَتِها.