عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب
  
              

          ░38▒ (ص) بَابٌ.
          (ش) كَذَا هو وَقَعَ بلا ترجمةٍ في روايةِ كَرِيمَةَ وأَبِي الوَقْتِ، وَسَقَطَ ذَلِكَ بالكُليَّة مِن رواية أبي ذَرٍّ والأَصِيلِيِّ وغيرِهما، ورجَّحَ النَّوَوِيُّ الأوَّلَ، وقال: لأنَّ الترجمةَ _يعني: سؤالَ جبريلَ ◙ عن الإيمانِ_ لا يَتَعَلَّقُ بها هذا الحديثُ، فلا يَصِحُّ إِدْخَالُه فيه، وقد قِيلَ: نفيُ التَّعلقِ لا يَتِمُّ هنا على الحالين؛ لأنَّه إنْ ثَبَتَ لَفظُ «باب» / بلا ترجمة؛ فهو بمنزلةِ الفَصْلِ بينَ الباب الذي قبْلَه، فلا بُدَّ له مِن تعلُّقٍ به، وإنْ لم يَثْبُتْ؛ فتعلُّقه به مُتعيِّن، لكنَّه يتعلَّقُ بقوله في الترجمة: «جَعَلَ ذلك كُلَّه دِينًا»، ووجْهُ بيان التَّعَلُّقِ أَنَّهُ سَمَّى الدِّينَ إيمانًا في حديث هِرَقْلَ، فيتمُّ مرادُ البُخَاريِّ بكونِ الدِّينِ هو الإيمانَ.
          فإن قلتَ: لا حُجَّةَ له فيه؛ لأنَّه منقولٌ عن هِرَقْلَ، قلتُ: إِنَّهُ ما قالَهُ مِنْ قِبَلِ اجْتِهَادِهِ، وإنَّما أُخْبِرَ به عن استقرائِه مِن كُتبِ الأنبياء ‰ ، وأيضًا فَهِرَقْلُ قاله بلسانِهِ الرُّوميِّ، فرواهُ عنه أبو سفيانَ بلسانِهِ العربيِّ، وألقاهُ إلى ابنِ عَبَّاس ☻؛ وهو مِن علماء اللِّسان، فرواهُ عنه ولم يُنكِرْهُ، فدلَّ على أنَّه صحيحٌ لفظًا ومعنًى، وقد يُقالُ: إنَّ هذا لم يكنْ أمرًا شرعيًّا، وإنَّما كان مُحاوَرَةً، ولا شَكَّ أنَّ مُحاوَرَاتِهم كانت على العُرْفِ الصَّحيح المعتَبَرِ الجَاري على القولَين، فجازَ الاستدلالُ بها.
          فإنْ قلتَ: (بَابٌ)، كيف يُقْرَأُ؟ وهل له حظٌ مِنَ الإعرابِ؟ قلتُ: إنْ قَدَّرْتَ له مبتدأً؛ يكون مرفوعًا على الخبريَّة، والتقدير: هذا بابٌ، وإلَّا؛ لا يستَحِقُّ الإعرابَ؛ لأنَّ الإعْرَابَ لا يكونُ إلَّا بعدَ العَقْدِ والتركيب، ويكون مثلَ الأسماءِ التي تُعَدُّ، وهو ههنا بمنزلة قولِهم بينَ الكلام: فَصْلُ كذا وكذا، يذكُرونَهُ؛ لِيَفْصِلوا به بين الكَلامَين.