عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب أداء الخمس من الإيمان
  
              

          ░40▒ (ص) بَابٌ: أَدَاءُ الخُمُسِ مِنَ الإيمانِ.
          (ش) الكلامُ فيه على أنواعٍ:
          الأوَّل: أنَّ لفظَة (بَابٌ) مرفوعٌ على أنَّه خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ، مضافٌ إلى ما بعدَه، والتقديرُ: هذا بابُ أداءِ الخُمُسِ؛ أي: بابٌ في بيان أنَّ أداءَ الخُمُسِ شُعبةٌ من شُعَبِ الإيمان، ويجوز أنْ يُقطَعَ عن الإضافة، فحينئذٍ (أَدَاءُ الخُمُسِ) كلامٌ إضافيٌّ مبتدأٌ، وقولُه: (مِنَ الإِيمَانِ) خبرُه.
          والثَّاني: وجه المناسبة بين البابَين مِن حيثُ إنَّ المذكورَ في الباب الأوَّل هو الحلالُ الذي هو المأمورُ به، [والحرامُ الذي هو المَنهيُّ عنه، فكذلك في هذا البابِ؛ المذكورُ هو المأمُورُ به] والمَنهيُّ عنه؛ أَمَّا المأمورُ به؛ هو الإيمانُ بالله ورسوله، وإِقامِ الصلاة، وإيتاءِ الزَّكاة، وصيامِ رمضان، وإِعطاءِ الخُمُسِ، وأمَّا المَنْهيُّ عنه؛ هو الحَنْتَمُ وأخواتُها، وبهذا الباب خُتِمَتِ الأبوابُ التي تُذْكَرُ فيها شُعَبُ الإيمانِ وأمورُه.
          الثالث: قوله: (الخُمُسِ) بِضَمِّ الخاء، مِن خَمَسْتُ القومَ أَخْمُسُهُم؛ بالضمِّ؛ إذا أخذتَ منهم خُمُسَ أموالِهم، وأمَّا: خَمَسْتُهم أَخْمِسُهم؛ بالكسرِ؛ فمعناه: إذا كنتَ خَامِسَهُم، أو كَمَّلْتَهُم خَمْسةً بنفْسِكَ _وهو المرادُ مِن قولِه تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ}[الأنفال:41]، وقد قيلَ: إنَّه رُويَ هنا بفتح الخاءِ؛ وهي الخَمْسُ مِنَ الأعدادِ، وأرادَ بِها قواعدَ الإسلامِ الخَمْسَ المذكورةَ في حديث: «بُنِيَ الإسلامُ على خَمْسٍ»_؛ فهذا وإن كان له وجهٌ، ولكن فيه بُعْدٌ؛ لأنَّ الحجَّ لم يُذكَرْ ههنا، ولأنَّ غيرَه مِنَ القواعدِ قد تقدَّمَ ذكرُهُ، وههنا إنَّما ترجَمَ البابَ على أنَّ: (أداءَ خُمُسِ الغنيمةِ مِنَ الإيمان).
          فإن قلتَ: ما وجهُ كونِه مِنَ الإيمان؟ قلتُ: لَمَّا سألَ الوفدُ عن الأعمالِ التي إذا عَمِلُوها يدخلون بها الجنَّةَ؛ فأُجِيبُوا بأشياءَ؛ مِن جملَتِها أداءُ الخُمُس، فأَدَاءُ الخُمُس [مِنَ الأعمالِ التي يُدْخَلُ بها الجنَّةَ، وكلُّ عَملٍ يُدْخَلُ به الجنَّةَ؛ فهو مِنَ الإيمان، فأَداءُ الخُمُس] مِنَ الإيمانِ؛ فافهمْ.