عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب فضل من استبرأ لدينه
  
              

          ░39▒ (ص) بابُ فَضْلِ مَنِ اسْتَبْرأَ لِدِينِهِ.
          (ش) الكَلامُ فيه على أنواع:
          الأوَّل: أنَّ قولَه: (بَابٌ) مرفوعٌ مضافٌ؛ تقديرُه: هذا بابُ فَضْلِ مَنِ اسْتَبْرَأَ، وكلمةُ (مَنْ) موصولةٌ، و(اسْتَبْرَأَ) جملةٌ منَ الفعل والفاعل؛ وهو الضَّمِيرُ المُسْتَتِرُ فيه الراجعُ إلى (مَنْ) صلةٌ للموصولة، و(اسْتَبْرَأَ) : (استفْعَلَ) ؛ أي: طَلَبَ البْرَاءَةَ لِدِينِهِ مِنَ الذَّمِّ الشَّرْعِيِّ؛ أو طلبَ البراءةَ منَ الإثمِ، يُقال: بَرِئْتُ مِنَ الدُّيُونِ والعُيُوبِ، وبَرِئْتُ مِنْكَ بَراءَةً، وبَرِئْتُ مِنَ المَرَضِ بُرْءًا؛ بالضَّم، وأهلُ الحجاز يقولون: بَرَأْتُ مِنَ المَرضِ بَرْءًا؛ بالفتحِ، ويقولُ كلُّهم في المستقبلِ: يَبْرَأُ بالفتح، وبَرَأَ اللهُ الخَلْقَ بَرْءًا أيضًا بالفتحِ، وهو البارئ، وفي «العُبَاب»: والتَّرْكيبُ يدلُّ على التباعدِ عن الشيءِ ومُزَايَلَتِهِ، وعلى الخَلْقِ.
          قولُه: (لِدِينِهِ) أي: لأجل دِينِه.
          النوعُ الثاني: وجهُ المناسبةِ بين البَابَيْن مِنْ حيثُ إنَّ المذكورَ في الباب الأوَّل بيانُ الإيمان والإسلام والإحسان، وإنَّ ذلك كلَّه دِينٌ، والمذكورُ ههنا الاستبراءُ للدِّين الَّذي يشمَلُ الإيمانَ والإسلامَ والإحسانَ، ولا شَكَّ أنَّ الاستبراءَ للدِّين من الدِّين.
          النَّوعُ الثالث: وَجهُ الترجمة: وهو أَنَّهُ لَمَّا أرادَ أن يذكرَ حديثَ النُّعْمان بن بَشِير ☺ عَقِيبَ حديثِ أبي هُريرة ☺ ؛ للمُناسَبَةِ التي ذَكَرْنَاها؛ عَقَدَ له بَابًا، وترجمَ له بقولِه: (فَضْلُ مَن استبرَأَ لِدِينِه)، وعَيَّنَ هذا اللَّفظَ؛ لِعُمومِه واشتِمَالِهِ سائرَ ألفاظ الحديثِ، وإنَّما لم يَقُلْ: استَبْرَأَ لِعِرْضِهِ ودِينِهِ؛ اكتفاءً بقولِه: (لِدِينِه) ؛ لأنَّ الاستبْرَاءَ للدِّين لازمٌ للاستبراءِ لِلعِرْضِ؛ لأنَّ الاستبراءَ للْعِرْضِ لأجلِ المُرُوءة في صَوْنِ عِرْضِه، وذلك مِنَ الحَياء، والحَياءُ مِنَ الإيمان، فالاستبراءُ للْعِرْض أيضًا منَ الإيمان.