عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه
  
              

          ░7▒ (ص) بابٌ: مِنَ الإِيمانِ أنْ يُحِبَّ لِأَخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ، [ولا يجوزُ فيه إلَّا الإعرابُ بالتنوينِ، أو الوقفُ على السكوِن، وليس فيه مجالٌ للإضافة، والتقدير: هذا بابٌ] فيه مِن شُعب الإيمان أنْ يُحبَّ الرجلُ لأخيه ما يحبُّ لنفسه.
          وجهُ المناسبة بين البابين: أنَّ الشُّعبَةَ الواحدةَ في البابِ الأوَّل هي إطعامُ الطعامِ، وهو غالبًا لا يكون إلَّا عن مَحبَّةِ المُطعَم، وهذا البابُ فيه شُعبَة؛ وهي: المَحبَّةُ لأخيه، وقال الكرمانيُّ: قَدَّمَ لفظة «من الإيمانِ»، بخلاف أخواتِهِ؛ حيثُ يقول: «حُبُّ الرسولِ من الإيمانِ»، ونحو ذلك من الأبواب الآتية التي مِثله؛ إمَّا للاهتمامِ بِذكرِهِ، وإمَّا للحَصْرِ، فكأنَّهُ قال: المَحبَّة المذكورة ليستْ إلَّا مِن الإيمانِ؛ تعظيمًا لهذه المحبَّة وتحريضًا عليها، وقال بعضُهُم: هو توجيهٌ حسنٌ، إلَّا أنَّهُ يَرِد عليه أنَّ الذي بعدَهُ أَلْيَقُ بالاهتمامِ والحصر معًا، وهو قوله: «بابُ حُبِّ الرسولِ من الإيمانِ»، فالظاهِرُ أنَّهُ أرادَ التَّنويع في العبارَةِ، ويمكنُ أنَّهُ اهتمَّ بِذِكْر حبِّ الرسول، فقدَّمه.
          قلتُ: الذي ذكره لا يَرِدُ على الكرمانيِّ، وإنما يَرِدُ على البُخاريِّ؛ / حيث لم يَقل: بابٌ من الإيمان حبُّ الرسول، ولكن يُمكن أنْ يُجاب عنه بأنَّهُ إنَّما قَدَّمَ لفظَةَ (حب الرسولِ) إمَّا اهتمامًا بذكرِهِ أوَّلًا، وإمَّا استلذاذًا باسْمِهِ مُقدَّمًا، ولأنَّ محبَّته هي عين الإيمان، ولولا هو؛ ما عُرِف الإيمان.