عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب من كره أن يعود في الكفر كما يكره أن يلقى في النار من الإيمان
  
              

          ░14▒ (ص) بابُ مَنْ كَرِهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ؛ كما يَكْرَهُ أن يُلْقَى في النارِ؛ مِن الإِيمان.
          (ش) أي: هذا بابُ مَن كَرِهَ، ويجوزُ في (الباب) التَّنوين، والوقف، والإضافةُ إلى الجملَةِ، وعلى كلِّ التقدير: قوله: (مَنَ) مبتدأٌ، وخبرُهُ قولُهُ: (مِنَ الإِيمانِ)، و(أَنْ) فِي المَوضعين مَصدريَّةٌ، وكذلِكَ كَلِمَةُ (ما) و(مَن) موصولةٌ، و(كَره أنْ يعودَ) صِلَتُها، وفيه حذفٌ؛ تقديرُ الكلامِ: باب كَراهَة مَن كَرِهَ العَودَ في الكُفْرِ ككراهَةِ الإلقاءِ في النَّارِ من شُعب الإيمان.
          و(الكراهةُ) ضِدُّ الإرادَةِ والرِّضا، و(العودُ) بمعنى / الصَّيرورَة، قال الكرمانيُّ: ضُمِّنَ فيه معنى الاستقرارِ حتَّى عُدِّي بـ(فِي)، ونحوه قوله تعالى: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا}[الأعراف:88].
          قلتُ: (فِي) تجيُء بمعنى (إلى) ؛ كما في قولِهِ تعالى: {فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ}[إبراهيم:9].
          وجهُ المناسبَةِ بين البابين: أنَّ في البابِ الأوَّل أنَّ النَّبِيَّ صلعم كانَ إذا أَمَرَ أصحابه بِعَملٍ؛ كانوا يسألونَهُ أَنْ يعملوا بأكثر مِن ذلك؛ وذلك لوجدانِهم حلاوةَ الإيمان مِن شِدَّةِ مَحبَّتِهم للنبيِّ صلعم ، وهذا البابُ أيضًا يتضمَّنُ هذا المعنى؛ لأنَّ فيه: «مَن أحبَّ الله ورسوله أكثر ممَّا يُحبُّ غير الله ورسوله؛ فإنَّهُ يَفوزُ بحلاوَةِ الإيمانِ».