عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

حديث: بايعت رسول الله على إقام الصلاة
  
              

          57- (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ☺ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ.
          (ش) [مطابقةُ الحديثِ للترجمة ظاهرةٌ؛ لأنَّ المذكور فيه: (وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ) ] وفي التَّرْجَمَةِ: (لعامَّةِ المسلمينَ)، ومرادُ البُخَاريِّ مِنَ الترجَمَةِ وقوعُ الدِّين على العَمَلِ؛ [فإنَّهُ سَمَّى (النصيحَةَ) دِينًا، وقال ابن بَطَّالٍ: مَقصودُه: الرَّدُّ على مَن زَعَمَ أنَّ «الإسلامَ» القولُ دون العمل]، وهو ظاهرُ العكسِ؛ لأنَّهُ لَمَّا بايَعَهُ على الإسلامِ؛ شَرَطَ عليه: «والنُّصح لكلِّ مُسلمٍ»، فلو دخلَتْ في الإسلامِ؛ لَمَا استأنفَ له بَيعَةٌ.
          بيانُ رجالِهِ: وهم خمسةٌ:
          الأوَّل: (مُسَدَّدٌ) ابن مُسَرْهَدٍ، تقدَّمَ.
          والثَّاني: (يَحيَى) ابن سعيدٍ، القَطَّانُ، تقدَّم.
          الثَّالث: (إِسْمَاعِيلُ) ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، البَجَليُّ التابعيُّ، تقدَّم.
          الرَّابعُ: (قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ) بالحاءِ المُهْمَلة والزاي المُعْجَمة، واسمهُ عبدُ عوفٍ [بن الحارثِ، ويُقال: عوفُ بن عبد الحارث] بن عوف، الأَحْمَسِيُّ البَجليُّ الكوفِيُّ التابِعيُّ / المُخَضْرَم، أدركَ الجاهليَّةَ، وجاءَ ليبايِعَ النَّبِيَّ صلعم ، فَقُبِضَ وهو في الطريق، ووالدهُ صَحابِيٌّ، سَمِعَ خلقًا مِنَ الصحابَةِ؛ منهم: العشَرةُ المشهودُ لهم بالجنَّةِ، وليس في التابعينَ مَن يروي عنهم غَيرُه، [وقيلَ: لم يَسْمَعْ مِن عبد الرحمن بن عَوفٍ، وعنه جماعَةٌ من التابعينَ، وجلالتُهُ مُتَّفَقٌ عليها، وهو أجودُ النَّاسِ إسنادًا، كما قالَهُ أبو داود، ومن ظُرْف أحوالِهِ: أنَّهُ روى عن جماعَةٍ من الصحابة لم يروِ عنهم غيرُه]؛ منهم: أبوهُ، ودُكَين بن سَعيد، والصُّنابِحُ بن الأعْسَرِ ومِرداسٌ الأَسْلَمِيٌّ ♥ ، ماتَ سَنَةَ أربعٍ _وقيل: سَبعٍ_ وثمانين، وقيل: سنَةَ ثمانٍ وتسعينَ، روى له الجماعَةُ.
          الخامس: (جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ) ابن جابرِ بن مالك بن نَصْر بن ثَعلَبَةَ، البجَلِيُّ الأَحْمَسِيُّ، أبو عبدِ الله، أو أبو عُمَرَ، نزل الكوفَةَ، ثمَّ تَحوَّل إلى قَرْقِيسياء، وبها تُوُفِّيَ سَنَةَ إحدى وخمسينَ، وقيل: غير ذلك، له مئة حديثٍ، اتَّفقا منها على ثمانِيَةٍ، وانفرَدَ البُخَاريُّ بحديثٍ، ومسلمٌ بستَّةٍ، كذا في «شَرح قُطب الدين» وفي «شرح النَّوويِّ»: له مئتا حديثٍ، انفرَدَ البُخَاريُّ بحديثٍ، وقيل: بستَّةٍ، ولعلَّ صوابَه: «ومُسلمٌ بستَّةٍ» بَدَلَ: «وقيل: بستَّةٍ»، وقال الكرمانيُّ في «شَرْحِهِ»: لِجَرير عن رسولِ الله صلعم مئةُ حديثٍ، ذكر البُخَاريُّ منها تسعةً، وهذا غَلَطٌ صَريحٌ.
          وكان قدومُهُ على رسول الله صلعم سنَةَ عَشرٍ في رمضانَ، فبايَعَهُ وأسلَمَ، وقيلَ: أَسْلَمَ قَبْلَ وفاةِ النَّبِيِّ صلعم بأربعينَ يَوْمًا، وكانَ يُصلِّي إلى سنام البعيرِ، وكانت صَنُمهُ ذِرَاعًا، واعتزَلَ الفِتْنَةَ، وكان يُدعى يوسُفَ هذِهِ الأُمَّة؛ لِحُسْنِهِ، روى [عنه بنوه: عبدُ الله والمنذِر وإبراهيمُ، وابن ابنه أبو زُرْعَةَ هَرِمٌ، روى] له الجماعةُ، وروى الطَّبرانيُّ في تَرجَمَتِهِ: أنَّ غُلامهُ اشْتَرى له فَرَسًا بثلاث مئة، [فلمَّا رآهُ؛ جاءَ إلى صاحبِهِ فقال: إنَّ فرسَكَ خيرٌ مِن ثلاثِ مئةٍ]، فلم يَزل يزيدُهُ حتَّى أعطاه ثمان مئةٍ، وقال: بايعتُ رسولَ الله صلعم على النُّصحِ لكلِّ مُسلمٍ.
          وليسَ في الصحابَةِ جَريرُ بن عبد الله البَجَليُّ إلَّا هذا، وفيهم جَريرُ بن عبد الله الحِمْيَرِيُّ فَقَط، وقيل: ابن عبد الحَميد، وفيهم جَرير بن الأرْقَط، وجَرير بن أوسٍ الطائِيُّ، وقيل: خُرَيم، وأبو جَريرٍ يُروَى حديثٌ عنِ ابنِ أبِي ليلى عنه.