نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم

          3462- (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ) هو: ابنُ كيسان (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهري، أنَّه (قَالَ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ☺ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلعم قَالَ: إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لاَ يَصْبُغُونَ) بفتح الموحدة وضمها (فَخَالِفُوهُمْ) أي: اصبغوا أنتم، والمراد به / صبغ شيب اللِّحية والرَّأس، وهو مندوبٌ إليه لأنَّه صلعم أمر بمخالفتهم، ولا يُعارضه ما ورد من النَّهي عن إزالة الشَّيب؛ لأن الصَّبغ لا يقتضي الإزالة، وقيل: المراد بالإزالة: النَّتف، وسُئل مالك عن النَّتف فقال: ما أعلمه حراماً وتَرْكُه أحبُّ إلي، ثمَّ إن المأذون فيه مقيَّدٌ بغير السَّواد؛ لما أخرجه مسلم من حديث جابر ☺ أنَّه صلعم قال: ((غيِّروه وجنِّبوه السَّواد)).
          وروى أبو داود وصحَّحه ابن حبَّان من حديث ابن عبَّاس ☻ مرفوعاً: ((يكون قوم في آخر الزَّمان يخضبون كحواصلِ الحمام لا يجدون ريح الجنَّة)) وإسناده قويٌّ. ورواه الحاكم أيضاً وصحَّحه، فالحديث صحيح إلَّا أنَّه اختُلِفَ في رَفْعِه ووَقْفِه، وعلى تقدير ترجيح وَقْفِه فمِثْلهُ لا يُقَالُ بالرَّأي فحُكْمُه الرفع، ولهذا اختار النَّووي أنَّ الصبغ بالسَّواد يُكْرَه كراهيةَ تحريم، وعن الحليمي أنَّ الكراهة خاصَّة بالرِّجال دون النِّساء فيجوز ذلك للمرأة لأجل زوجها.
          وقال مالك: الحنَّاء والكَتْم واسعٌ، والصبغ بغير السَّواد أحبُّ إلي، ويستثنى من ذلك المجاهد اتِّفاقاً، وقد اختُلِفَ هل كان النَّبي صلعم يصبغُ فقال ابن عمر في «الموطَّأ»: أمَّا الصُّفرة فرأيت رسول الله صلعم يصبغُ بها وأنا أُحِبُّ أن أصبغَ، وقيل: كان يُصَفِّر لحيتَه، وقيل: صبغ مرَّة، وقال مالك: لم يصبغْ صلعم ولا علي ولا أبي بن كعب ولا ابن المسيَّب ولا السَّائب بن يزيد ولا ابن شهاب. قال: والدَّليل على أنَّه صلعم لم يصبغْ أن عائشة ♦ قالت: كان أبو بكر ☺ يصبغ، فلو كان صَبَغ لبدأت به.
          وقال مالك: والصَّبغ بالسَّواد ما سمعت فيه شيئاً وغيره من الصَّبغ أحبُّ إليَّ، والصَّبغ بالحناء والكَتْم واسعٌ. وقالت الشَّافعية: يستحبُّ خضاب الشَّيب للرَّجل والمرأة بالحُمْرة والصُّفرة كالحِنَّاء والزَّعفران، وليس المراد بالصَّبغ في هذا الحديث صبغ الثِّياب ولا خضب اليدين والرِّجلين بالحناء مثلاً؛ لأنَّ اليهود والنَّصارى لا يتركون ذلك، وقد صرَّح الشَّافعية بتحريم لبس الثِّياب المزعفر للرَّجل وبتحريم خضب الرِّجال أيديهم / وأرجلهم إلَّا للتداوي، وسيأتي بسط القول في ذلك في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى [خ¦5899].
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة في ذكر اليهود، وقد أخرجه النَّسائي في الزِّينة.