نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: {واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب}

          ░39▒ (باب {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:17] إِلَى {وَفَصْلَ الْخِطَابِ}) أرادا به قوله تعالى في سورة ص: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ} عطف على قوله: {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} أي: الكفَّار، واذكر عبدنا داود في صبرهِ على العبادة والطَّاعة، أو المعنى: واذكرْ لهم قصَّته تعظيماً للمعصيَّة في أعينهم، فإنَّه مع شأنه واختصاصهِ بعظائم النِّعم والمكرمات لما أتى بزلَّة نزلَ عن منزلته وَوَبَّخَتْهُ الملائكةُ بالتَّمثيل والتَّعريض حتى تفطَّنَ واستغفرَ ربَّه وأنابَ فما الظَّن بالكفرة وأهل الطُّغيان، أو تذكَّرْ قصَّته وصُنْ نفسك أن تزلَّ فيلقاك / ما لَقِيَه من المعاتبة على إهمالهِ عنان نفسه أدنى إهمال.
          {ذَا الْأَيْدِ} ذا القوَّة، يقال: فلانٌ أَيِّدُ؛ أي: قوي، وذو أيدٍ وآد وإيادٍ بمعنى {إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:17] رجَّاع عن كلِّ ما يكرهه الله إلى مرضاتِ الله، وهو تعليلٌ للأيدِ، دليلٌ على أنَّ المراد به القوة في الدين، وكان يَصوم يوماً ويُفْطِر يوماً، ويقوم ثُلُثَ اللَّيل، كما في الحديث.
          {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ} [ص:18] قد مرَّ تفسيره في الباب السَّابق ويُسَبِّحنَ حال وُضِعَ مَوْضِعَ مسبِّحات لاستحضار الحال الماضية، والدَّلالة على تجدُّد التَّسبيح حالاً بعد حال {بِالْعَشِيِّ} أي: آخر النَّهار {وَالْإِشْرَاقِ} [ص:18] أي: أوَّله، ووقتُ الإشراق هو حين تشرقُ الشَّمس؛ أي: تُضيء ويصفو شُعاعها، وهو وقتُ الضُّحى، وأمَّا شروقها: فطلوعها يقال: شَرقت الشمس ولمَّا تشرق.
          وعن أمِّ هانئ: أنَّه صلعم صلى صلاة الضُّحى وقال: ((هذه صلاة الإشراق)). وعن ابن عبَّاس ☻ : «ما عرفتُ صلاة الضُّحى إلَّا بهذه الآية».
          {وَالطَّيْرَ} أي: وسخَّرنا له الطَّير {مَحْشُورَةً} أي: مجموعةً إليه من كلِّ جانبٍ، وإنما لم يراع المطابقةَ بين الحالين؛ لأنَّ الحشر جملة أدلُّ على القدرةِ منه مدرجاً {كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ} [ص:19] كلُّ واحدٍ من الجبالِ والطَّير لأجل تسبيحهِ رجَّاع إلى التسبيح.
          والفرق بينَه وبين ما قَبْلَه أنَّه يدلُّ على الموافقة في التَّسبيح، وهذا على المداومة عليها، أو كلٌّ منهما لِداود مُرَجِّعٌ لله التَّسْبِيح، أو كلٌّ له مُطِيْعٌ مُنقاد.
          {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ} [ص:20] وقوَّيناه بالهيبةِ والنُّصرة وكثرةِ الجنود، وعن ابن عبَّاس ☻ : كان داود أشدَّ ملوك الأرض سلطاناً كان يحرسُ محرابَه كلَّ ليلة ثلاثةٌ وثلاثون ألفَ رَجُلٍ، وعنه: ستةٌ وثلاثون ألف رجل، فإذا أصبحوا قيل: ارجعوا فقد رضيَ نبيُّ الله عنكم، وقيل: ثلاثة وثلاثون من بني إسرائيل ثمَّ يأتي عوضهم.
          وفي «الكشاف» قيل: كان يَبِيْتُ حَوْلَ مِحْرَابه أربعون ألفَ مُسْتَلْئِمٍ يَحْرُسُونَه، قال قتادة: فكان جملةُ حَرَسهِ مائتين وثلاثين ألفَ حرس، وقرئ: ▬وشدَّدناه↨ بالتشديد للمبالغة، وقيل: إنَّ رجلاً ادعى بقرةً على آخر وعجز عن البيان فأوحى إليه / أن اقتل المُدَّعى عليه، فأعلمه فقال: صدقتَ إني قتلتُ أباه غِيلة (1) وأخذتُ البقرة فعَظُمَتْ بذلك هيبتُه.
          {وَآَتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ} والنُّبوة وكمال علم الشَّرائع والإصابة وإتقان العمل {وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص:20] الفصلُ: التَّمييز بين الشَّيئين، والمراد فصل الخصام بتمييز الحقِّ عن الباطل، أو الكلام الملخص الذي ينبِّه المخاطب على المقصود من غير التباسٍ، فعلى الأول يكون الفصل بمعنى الفاصل، وعلى الثاني بمعنى المفصول.
          وقيل: هو قوله: أمَّا بعد، فإنَّه أوَّل من قالها، وإنما سمِّي به أما بعد؛ لأنه يفصلُ المقصود عمَّا سبق مقدمة له من الحمد والصَّلاة، وقيل: هو الخطاب القصد الذي ليس فيه اختصار مخلٌّ ولا إشباعٌ مملٌّ، كما جاء في وصف كلامِ الرَّسول صلعم : فصلٌ لا نزر ولا هَزر.
          (قَالَ مُجَاهِدٌ: الْفَهْمُ فِي الْقَضَاءِ) أي: قال مجاهد: فصل الخطاب: هو الفهمُ في القضاء، وروى ابنُ أبي حاتم من طريق أبي بشر عن مجاهد قال: الحكمةُ: الصَّواب.
          ومن طريق ليث عن مجاهد: فصلُ الخطاب: إصابة القضاء وفهمه، ومن طريق ابنِ جُريج عن مجاهد قال: فصلُ الخطاب: العدل في الحكم، وما قال من شيءٍ انفذهُ.
          وقال الشَّعبي: فصل الخطاب: قوله: أما بعد، وفي ذلك حديث مسند من طريق بلال بن أبي بُردة، عن أبيه، عن جدِّه، قال: «أوَّل من قال: أمَّا بعد، داود ◙ وهو فصلُ الخطاب»، رواه ابنُ أبي حاتم.
          وذُكِرَ عن ابن جُرير بإسنادٍ صحيحٍ عن الشَّعبي مثله، وروى ابنُ أبي حاتم من طريق شُريح قال: فصل الخطاب: الشُّهود والإيمان، ومن طريق أبي عبد الرَّحمن السُّلمي نحوه.
          ({وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ} [ص:21] إِلَى {وَلاَ تُشْطِطْ} لاَ تُسْرِفْ) أراد به قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ} هو استفهامٌ معناه: التَّعجيب والتَّشويق إلى استماعه، والخصم في الأصل مصدرٌ، ولذلك أُطْلِقَ للجَمْع {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص:21] إذ تصعدوا سورَ الغرفة، تفعَّل من السُّور كتسنَّم من السَّنام، وإذ متعلِّق بمحذوف؛ أي: نبأ تحاكُم الخصم / إذ تسوروا، أو النَّبأ على أنَّ المراد به الواقع في عهد داود ◙ وأنَّ إسناد أتى إليه على حذف مضاف؛ أي: قصَّة نبأ الخصم، أو بالخصم لما فيه من معنى الفعل، لا بأتى؛ لأنَّ إتيانه الرَّسول لم يكن حينئذٍ، وإذ الثانية في قوله: {إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ} [ص:22] بدل من الأولى أو ظرف لـ{تَسَوَّرُوا} {فَفَزِعَ مِنْهُمْ} لأنهم نزلوا عليه من فوق في يوم الاحتجاب، والحرسُ على الباب لا يتركون من يدخل عليه، فإنَّه كان ◙ جزَّأ زمانه: يوماً للعبادة، ويوماً للقضاء، ويوماً للوعظ، ويوماً للاشتغال بخاصته، فتسوَّر عليه ملائكة على صُوَر الإنسان في يوم خلوِّه.
          {قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ} نحن فوجان مُتَخاصمان على تسمية مُصاحب الخصم خصماً {بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} وهو على الفرض وقصد التَّعريض إن كانوا ملائكة، وهو المشهورُ {فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ} أي: لا تَجُر في الحكومة، قاله الفراء، وقد فسَّره المصنف بقوله: ((لا تُسْرِف)) وقرئ: ▬ولا تَشْطُط↨؛ أي: ولا تَبْعُدْ عن الحقِّ، يقال: شَطَّتِ الدَّارُ وأشطت، إذا أبعدت، ولا تُشَاطِط، والكلُّ من معنى الشَّطط، وهو مجاوزةُ الحدِّ. وروى ابنُ جرير من طريق قتادة في قوله: {وَلَا تُشْطِطْ} أي: لا تَمِل، ومن طريق السُّدي: لا تَحِف.
          ({وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ} [ص:22]) أي: إلى وسطهِ وهو العدلُ، ضَرَبَه مثلاً لِعَيْنِ الحقِّ ومحضه ({إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً}) وتمام الآية: إن هذا أخي بالدين أو الصحبة {لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ}[ص:23] هي الأنثى من الضَّأن، وقد يُكَنَّى بها عن المرأة، والكناية والتَّمثيل فيما يُساق للتَّعريض أبلغ في المقصود، وقد فسَّره البخاري بقوله: (يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ نَعْجَةٌ، وَيُقَالُ لَهَا أَيْضاً: شَاةٌ) هذا كثير فاش في أشعارهم، قال أبو عبيدة في قوله تعالى: ({وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ}) أي: امرأة قال الأعشى:
فَرَمَيْتُ غَفْلَةَ عَيْنِهِ عَنْ شَاتِهِ                     فَأَصَبْتُ حَبَّةَ قَلْبِهَا وَطِحَالَهَا
          وقال الحسين بنُ الفضل: هذا تعريضٌ للتَّنبيه والتَّفهيم؛ لأنَّه لم يكن هناك نِعاجٌ وإنما هذا مثل قول النَّاس: ضرب زيدٌ عمراً، وما كان هناك ضرب.
          ({فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} مِثْلُ: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} ضَمَّهَا) أي: ضمَّ زكريا ◙ مريم بنت عمران إلى نفسه، وعن أبي العالية: {أَكْفِلْنِيهَا} ضُمَّها إليَّ حتى أكفْلَهَا. /
          وقال ابن كَيسان: اجعلْها كِفْلي؛ أي: نصيبي، وقال القاضي: مَلِّكْنِيها وحقيقته: اجْعَلْنِي أكفلُها كما أكفلُ ما تحت يدي.
          ({وَعَزَّنِي} غَلَبَنِي، صَارَ أَعَزَّ مِنِّي، أَعْزَزْتُهُ: جَعَلْتُهُ عَزِيزاً {فِي الْخِطَابِ} يُقَالُ: الْمُحَاوَرَةُ) قال أبو عبيدة في قوله: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص:23] أي: صار أعزَّ منِّي فيه، وروى الطَّبري من طريق العَوفي، عن ابن عبَّاس ☻ قال: «إن دعا ودعوت كان أكثرَ منِّي، وإن بطشتُ وبطشَ كان أشدَّ مني». ومن طريق قتادة قال: معناه: قَهَرني وظَلَمني، وفسَّر المصنِّف الخطاب بالمحاورة، بالحاء المهملة.
          وقال القاضي: وغلبنِي في مخاطبته إيَّاي محاجة؛ بأن جَاءَ بِحِجَاجٍ لم أَقْدِرْ على ردِّه، أو في مُغالبته إيَّاي في الخطبة يقال: خطبتُ المرأة وخطبَها هو فخاطَبني خطاباً حيث زوَّجها دوني، وقرئ: ▬وعَازَّني↨؛ أي: غَالَبَني، و(عَزَنِي) على تخْفِيْفٍ غَرِيْبٍ، وبعد هذه الآية قال: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} [ص:24] جواب قسم محذوف قصدَ به المبالغة في إنكارِ فعل خَلِيْطِهِ وتهجينِ طَمَعِه، ولعلَّه قال ذلك بعد اعترافهِ، فقد روي أنَّه قال: أريد أن آخذها منه وأكمل نعاجي مائة، فقال داود: إن أردتَ ذلك ورمت ضربنا منك هذا وهذا، وأشار إلى طرف الأنف والجبهة، فقال: يا داود أنت أحقُّ أن يُضْرَبَ منك هذا وهذا، وأنت فعلتَ كيتَ وكيت ثمَّ نظرَ داود فلم يَرَ أحداً فَعَرَف ما وقع فيه، أو على تقدير: صدْق المدَّعي والسؤال مصدر مضاف إلى مفعوله، وتعديته إلى مفعول آخر يأتي لتضمينهِ معنى الإضافة.
          ({وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ} الشُّرَكَاءِ) فسَّر الخلطاء بالشُّركاء، وهكذا فسَّره المفسرون، قال القاضي: الشُّركاء: الذين خلطوا أموالهم، جمع خَلِيْطٍ، وحكى هذا التَّفسير ابن جرير أيضاً {لَيَبْغِي}؛ أي: لَيَتَعدَّى وقرئ: ▬ليبغيَ↨ بفتح الياء على تقدير النون الخفيفة وحذفها كقوله:
اضْرِبْ عَنْكَ الهُمُومَ طَارِقَهَا
          وبحذف الياء اكتفاء بالكسر.
          {بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} أي: وهم قليلٌ وما مزيدةٌ للإبهام والتَّعجب من قلَّتهم {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} ابتليْنَاه بالذَّنب، أو امتحنَّاه بتلك الحكومة هل يتنبه بها.
          ({فَتَنَّاهُ}. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ☻ / اخْتَبَرْنَاهُ) وصلَه ابنُ جرير وابنُ أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه (وَقَرَأَ عُمَرُ ☺: ▬فَتَّنَّاهُ↨ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ) هذه القراءة من الشواذ ولم يذكرها أبو عبيد في القراءات المشهورة، ونُقِلَ التشديدُ أيضاً عن أبي رجاء العطاردي والحسن البصري.
          ({فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ}) لذنبه ({وَخَرَّ رَاكِعاً}) حال كونه راكعاً؛ أي: ساجداً، وعبَّر عن الركوع بالسُّجود؛ لأنهما بمعنى الانحناء، أو لأنَّه مبدؤه، فهو مجازٌ عنه بعلاقة السَّببية؛ لأنَّه يفضِي إليه أو خرَّ للسجود راكعاً؛ أي: مصلياً. في «القاموس»: ركع؛ أي: صلى كأنَّه أحرمَ بركعتي الاستغفار.
          ({وَأَنَابَ} [ص:24]) أي: رجعَ إلى الله بالتَّوبة، من الإنابة، وهو الرُّجوع إلى الله بالتَّوبة، يقال: أناب يُنِيب إِنَابة فهو منيبٌ: إذا أقبلَ ورجع. وفي «الكشاف» روي أنَّه بقيَ ساجداً أربعين يوماً وليلة لا يرفعُ رأسه إلَّا لصلاة مكتوبة، أو ما لا بدَّ منه، ولا يرقأ دمعُه حتى نبتَ العشبُ من دمعه على رأسهِ، ولم يشرب ماء إلَّا وثلثاهُ دمع، وجهد نفسه راغباً إلى الله في العفو عنه حتى كادَ يهلَك، واشتغلَ بذلك عن المُلْك حتى وثبَ ابنٌ له يقال له: أيشا على ملكه ودعا إلى نفسهِ، واجتمع إليه أهل الزَّيغ من بني إسرائيل، فلمَّا غُفِرَ له حاربَه فهَزَمَه، ورُوِيَ: أنَّه نقش خطيئتَه في كفِّه حتى لا ينساها.
          قال القاضي: وأقصى ما في هذه القصَّة الإشعار بأنه ◙ ودَّ أن يكون له ما لغيره وكان له أمثاله، فنبَّهه الله بهذه القضية فاستغفرَ وأناب عنه. وما رُوِيَ أنَّ بصره وقع على امرأةٍ فعشقها وسعى حتى تزوَّجها وولدت منه سليمان ◙ إن صحَّ فلعلَّه خطب مخطوبتَه، أو استنزله عن زوجتهِ، وكان ذلك معتاداً فيما بينهم، وقد واسى الأنصارُ المهاجرين بهذا المعنى.
          وفي «الكشاف» فقيل له: إنَّك مع عظم منزلتكَ وارتفاعِ مرتبتكَ وكبر شأنكَ وكثرةِ نسائك لم يكن ينبغي أن تسألَ رجلاً ليس له إلَّا امرأة واحدة بل كان الواجب عليك مغالبةَ هواكَ وقهرَ نفسك والصَّبرَ على ما امتُحِنْتَ به.
          وما قيل: إنَّه أرسل أوريا إلى الجهاد مراراً، وأَمَرَ أن يتقدَّم حتى قُتِلَ فتزوَّجها هراءٌ وافتراءٌ، ولذلك قال علي ☺: من حَدَّثَ بحديث داود على ما يرويه القصَّاص جَلَدْتُه مئة وستين، وهو حدُّ الفرية على الأنبياء ‰. وقيل: إنَّ قوماً قصدوا أن يقتلوه فتسوَّروا المحراب ودخلوا عليه فوجدوا عنده قوماً فتصنَّعوا بهذا التَّحاكم فعَلِمَ غرضَهم وقصد أن ينتقمَ منهم فظنَّ أنَّ ذلك ابتلاءً من الله، فاستغفر ربَّه ممَّا هم به وأنابَ.
          {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ} أي: ما استغفر عنه {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى} لقربة بعد المغفرة {وَحُسْنَ مَآَبٍ} [ص:25] مرجع في الجنَّة، ثم إنَّ المصنف ☼ ذكر حديث ابن عبَّاس / ☻ فقال:


[1] في هامش الأصل: الغيلة، بالكسر: أن تخدعَ شخصاً، فتذهب به إلى موضع صار إليه فتقتله.