نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: إن مع الدجال إذا خرج ماءً ونارًا

          3450- 3451- 3452- (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) المنقري التَّبوذكي، قال: (أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ) الوضَّاح بن عبد الله اليَشكري، قال: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ) الكوفي (عَنْ رِبْعِيِّ) بكسر الراء وسكون الموحدة وكسر العين المهملة (ابْنِ حِرَاشٍ) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء وآخره شين معجمة، الغطفاني، وكان من العبَّاد، يقال إنَّه تكلم بعد الموت، وقد مرَّ في باب العلم [خ¦106] (قَالَ: قَالَ عُقْبَةُ) بضم المهملة وسكون القاف (ابْنُ عَمْرٍو) أي: ابن مسعود الأنصاري، المعروف بالبدري (لِحُذَيْفَةَ) هو: ابن اليمان، صاحب سرِّ رسول الله صلعم (أَلاَ تُحَدِّثُنَا مَا سَمِعْتَ) ويروى: <بما سمعت> (مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلعم قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ مَعَ الدَّجَّالِ إِذَا خَرَجَ مَاءً) نُصِبَ على خبرية أن، وقوله: (وَنَاراً) عطف عليه (فَأَمَّا الَّذِي يَرَى) بفتح الياء وضمها (النَّاسُ أَنَّهَا النَّارُ فَمَاءٌ، وَأَمَّا الَّذِي يَرَى النَّاسُ أَنَّهُ مَاءٌ) وفي نسخة: <ماء بارد> (فَنَارٌ تُحْرِقُ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَقَعْ فِي الَّذِي / يَرَى أَنَّهَا نَارٌ، فَإِنَّهُ عَذْبٌ بَارِدٌ) وهذا من جملة فتنته؛ امتحنَ الله بها عباده فيُحِقُّ الحقَّ ويُبْطِلُ الباطلَ ثمَّ يفضَحُه ويظهِرُ للنَّاس عجزه، والغرضُ من إيراد هذا الحديث هنا إيراد ما يليه وهو قصَّة الرَّجل الذي كان يبايع النَّاس، وقد ذكرها في كتاب البيوع، في باب من أنظر موسراً أيضاً [خ¦2077]، وقصَّة الرَّجل الذي أوصى بنيه أن يحرقوه.
          -(قَالَ حُذَيْفَةُ ♥ وَسَمِعْتُهُ) صلعم (يَقُولُ: إِنَّ رَجُلاً كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَتَاهُ الْمَلَكُ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ فَقِيلَ لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُ، قِيلَ لَهُ: انْظُرْ. قَالَ: مَا أَعْلَمُ شَيْئاً غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا وَأُجَازِيهِمْ) أي: أتقاضى منهم الحقَّ، يقال: جازيتهم؛ أي: قاضيتهم وتجازيت ديني عن فلان؛ أي: تقاضيتُه وحاصله آخذ منهم وأعطى، وفي رواية الإسماعيلي: <وأجازفهم> من المجازفة، بالجيم والزاي والفاء، وفي رواية أخرى: <وأحاربهم> بالحاء المهملة والراء.
          قال الحافظُ العسقلاني: وكلاهما تصحيفٌ لا يظهر، وكذا قال العيني.
          (فَأُنْظِرُ) بضم الهمزة، من الإنظار؛ أي: أمهل (الْمُوسِرَ، وَأَتَجَاوَزُ عَنِ الْمُعْسِرِ. فَأَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ قَالَ) أي: حذيفة ☺ شروع في القصَّة الثَّالثة، ويروى: <وقال>، وفي نسخة: <فقال> بالفاء.
          -(وَسَمِعْتُهُ) صلعم (يَقُولُ: إِنَّ رَجُلاً حَضَرَهُ الْمَوْتُ، فَلَمَّا يَئِسَ مِنَ الْحَيَاةِ أَوْصَى أَهْلَهُ إِذَا أَنَا مُتُّ فَاجْمَعُوا لِي حَطَباً كَثِيراً وَأَوْقِدُوا فِيهِ نَاراً حَتَّى إِذَا أَكَلَتْ لَحْمِي، وَخَلَصَتْ) بفتح اللام؛ أي: وصلت (إِلَى عَظْمِي، فَامْتَحَشْتُ) أي: احترقتُ ووصلَ الحرقُ العظامَ، ضبطه الحافظُ العسقلاني على البناء للمفعول، وضبطه الكِرماني على البناء للفاعل، ولكلٍّ وجهة، وهو من الامتحاش ومادَّته ميم وحاء مهملة وشين معجمة، والمحش: احتراق الجلد وظهور العظم، وقيل: إحراقُ النَّارِ الجلدَ.
          (فَخُذُوا) ويروى: <فخذوها> (فَاطْحَنُوهَا، ثُمَّ انْظُرُوا يَوْماً رَاحاً) قال الجوهري: يوم راح؛ أي: شديد الرِّيح، وإذا كان طيب الرِّيح يقال: يوم ريِّح، بالتشديد. وقال الخطَّابي: يوم راح؛ أي: ذو ريح، كما يقال: رجل مال؛ أي: ذو مال (فَاذْرُوهُ) / أمر من الإذراء، يقال: ذَرَتْه الرِّيحُ وأَذْرَتْه تَذْرُوه وتَذْرِيْه؛ أي: أطارته (فِي الْيَمِّ. فَفَعَلُوا، فَجَمَعَهُ) ويروى: <فجمعه الله> (فَقَالَ لَهُ: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ. فَغَفَرَ اللَّهُ، قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو) هو: أبو مسعود البدري (وَأَنَا سَمِعْتُهُ) أي: النَّبي صلعم (يَقُولُ ذَاكَ) وظاهر الكلام يقتضي أنَّ الذي سَمِعَه أبو مسعود هو الحديث الأخير فقط، لكن رواية شعبة عن عبد الملك بن عُمير بيَّنت أنَّه سَمِعَ الجميع، فإنَّه أورد في الفتن قصَّة الذي كان يبايع النَّاس من حديث حذيفة، وقال في آخره: قال أبو مسعود: وأنا سمعتُه، وكذلك قال في حديث الذي أوصى بنيه، كما سيأتي في أواخر هذا الباب.
          (وَكَانَ نَبَّاشاً) ظاهره أنَّه من زيادة أبي مسعود في الحديث، لكن أورده ابن حبَّان من طريق ربعي، عن حذيفة ☺ قال: ((توفِّي رجل كان نبَّاشاً فقال لولده: احرقوني))، فدلَّ على أنَّ قوله: ((وكان نباشاً)) من رواية حذيفة وأبي مسعود ☻ معاً، والله تعالى أعلم.