نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء

          3455- (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ) هو: بُنْدار، قال: (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) هو: غُنْدر، قال: (أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، / عَنْ فُرَاتٍ) بضم الفاء وتخفيف الراء وآخره تاء مثناة، من فوق، هو: ابنُ أبي عبد الرَّحمن (الْقَزَّازِ) بفتح القاف وتشديد الزاي الأولى، البصري ثمَّ الكوفي، أنَّه (قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ) بالحاء المهملة والزاي، هو: سلمان الأشجعي (قَالَ: قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ ☺ خَمْسَ سِنِينَ) إنَّما ذُكِرَ بباب المفاعلة ليدلَّ على قعوده متعلِّقاً بأبي هريرة ☺، ولأجل تعلِّقه بالآخر جاء متعدياً؛ لأن أصله لازم كما في قولك: كارمت زيداً، فإن أصله لازم (فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ) أي: يتولَّى أمورَهم الأنبياءُ ‰ كما يفعل الأمراء والولاة بالرعيَّة، والسِّياسة: القيام على الشَّيء بما يصلحه؛ وذلك لأنَّهم كانوا إذا ظهر منهم فسادٌ بَعَثَ اللهُ إليهم نبياً يزيلُ الفساد عنهم، ويقيم لهم أمرهم، ويزيل ما غيَّروا من أحكام التَّوراة.
          (كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ) بفتح اللام المخففة، يعني: يقوم مقامَ الأوَّل، والخلف، بفتح اللام وسكونها: كل من يجيء بعد من مضى، إلَّا أنَّه بالتَّحريك في الخير، وبالسُّكون في الشَّر، قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ} [مريم:59] (وَإِنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي) يعني: لا يجيء بعدي نبي فيفعل ما كان أولئك يفعلون، وفيه إشارة إلى أنَّه لابدَّ للرعيَّة مَنْ يُلِمُّ بأمورها يحملها على الطَّريق الحسنة، وينصف المظلوم من الظَّالم.
          (وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ) جمع: خليفة (فَيَكْثُرُونَ) بالمثلثة من الكثرة، وحكى القاضي عياض عن بعضهم بالموحدة، وهو تصحيفٌ، ووجه بأنَّ المراد إكبارُ قَبيحِ فِعْلِهم (قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ) صلعم : (فُوا) بالضم، أمرٌ لجماعةٍ من وَفَى يَفِي على وزن قُوْا بالقاف (بَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ) والمعنى: أنَّه إذا بويع لخلفية بعد خليفة فبيعة الأوَّل صحيحة يجب الوفاء بها، وبيعة الثَّاني باطلة يحرم الوفاء بها.
          قال النَّووي: سواء عقدوا للثَّاني عالمين بعقد الأوَّل أو لا، وسواء كانوا في بلدٍ واحدٍ أو أكثر، وسواء كانوا في بلد الإمام / المنفصل أم لا هذا هو الصَّواب الذي عليه الجمهور، وقيل: يكون لمن عُقِدَتْ له في بلد الإمام دون غيره، وقيل: يقرع بينهما قال: وهما قولان فاسدان.
          وقال القرطبي: في هذا الحديث حكم بيعة الأوَّل وأنَّه يجب الوفاء بها، وسَكَتَ عن حُكْمِ بيعة الثَّاني، وقد نصَّ عليه في حديث عرفجة في «صحيح مسلم» حيث قال: ((فاضربوا عُنُقَ الآخر))، وفي رواية أخرى: ((فاضربوه بالسَّيف كائناً من كان)).
          (أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ) أي: أطيعوهم وعاشروهم بالسَّمع والطَّاعة (فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ) أي: فإنَّ الله يُحَاسِبُهم على ما يفعلون بكم من الخير والشَّر، وهو كحديث ابن عمر ☻ المتقدِّم: ((كلُّكم راع، وكلُّكم مسؤول عن رعيَّته)). وفي الحديث: تقديم أمر الدِّين على أمر الدُّنيا؛ لأنه صلعم أمر بتوفية حقِّ السُّلطان لما فيه من إعلاء كلمة الدِّين، وكفِّ الفتنة والشَّر، وتأخير المرء المطالبة بحقِّه لا يسقطه، وقد وعده الله أن يخلِّصه ويوفِّيه إيَّاه ولو في الدَّار الآخرة.
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة ظاهرة، وقد أخرجه مسلم في المغازي، وابن ماجه في الجهاد.