-
المقدمة
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
كتاب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
أبواب سترة المصلي
-
كتاب مواقيت الصلاة
-
كتاب الأذان
-
أبواب الجماعة والإمامة
-
كتاب الجمعة
-
أبواب صلاة الخوف
-
كتاب العيدين
-
كتاب الوتر
-
كتاب الاستسقاء
-
كتاب الكسوف
-
أبواب سجود القرآن
-
أبواب تقصير الصلاة
-
أبواب التهجد
-
كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
-
أبواب العمل في الصلاة
-
أبواب السهو
-
كتاب الجنائز
-
كتاب الزكاة
-
أبواب صدقة الفطر
-
كتاب الحج
-
أبواب العمرة
-
أبواب المحصر
-
كتاب جزاء الصيد
-
أبواب فضائل المدينة
-
كتاب الصوم
-
كتاب صلاة التراويح
-
أبواب الاعتكاف
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
كتاب الشفعة
-
كتاب الإجارة
-
كتاب الحوالة
-
كتاب الكفالة
-
كتاب الوكالة
-
كتاب المزارعة
-
كتاب المساقاة
-
كتاب الاستقراض
-
كتاب الخصومات
-
كتاب في اللقطة
-
كتاب المظالم
-
كتاب الشركة
-
كتاب الرهن
-
كتاب العتق
-
كتاب المكاتب
-
كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها
-
كتاب الشهادات
-
كتاب الصلح
-
كتاب الشروط
-
كتاب الوصايا
-
كتاب الجهاد والسير
-
كتاب فرض الخمس
-
كتاب الجزية والموادعة
-
كتاب بدء الخلق
-
كتاب أحاديث الأنبياء
-
باب قول الله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل}
-
باب: الأرواح جنود مجندة
-
باب قول الله عز وجل: {ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه}
-
باب قول الله تعالى: {إنا أرسلنا نوحًا إلى قومه}
-
باب: {وإن إلياس لمن المرسلين. إذ قال لقومه ألا تتقون}
-
باب ذكر إدريس عليه السلام
-
باب قول الله تعالى:{وإلى عاد أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا الله}
-
باب قول الله عز وجل: {وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر}
-
باب قول الله تعالى: {وإلى ثمود أخاهم صالحًا}
-
باب قصة يأجوج ومأجوج
-
باب قول الله تعالى: {واتخذ الله إبراهيم خليلًا}
-
باب: {يزفون}: النسلان في المشي
-
باب: {ونبئهم عن ضيف إبراهيم}
-
باب قول الله تعالى: {واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد}
-
باب قصة إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام
-
باب: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب} إلى قوله: {ونحن له مسلمون}
-
باب: {ولوطًا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون}
-
باب: {فلما جاء آل لوط المرسلون. قال إنكم قوم منكرون}
-
باب: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت}
-
باب قول الله تعالى: {لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين}
-
باب قول الله تعالى: {وأيوب إذ نادى ربه أني مسنى الضر}
-
باب: {واذكر في الكتاب موسى}
-
باب قول الله عز وجل: {وهل أتاك حديث موسى. إذ رأى نارًا}
-
باب: {وقال رجل مؤمن من آل فرعون} إلى قوله: {مسرف كذاب}
-
باب قول الله تعالى: {وهل أتاك حديث موسى}
-
باب قول الله تعالى: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلةً وأتممناها بعشر}
-
باب طوفان من السيل
-
حديث الخضر مع موسى عليهما السلام
-
باب
-
باب: {يعكفون على أصنام لهم}
-
باب: {وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرةً}
-
باب وفاة موسى وذكره بعد
-
باب قول الله تعالى: {وضرب الله مثلًا للذين آمنوا امرأة فرعون}
-
باب: {إن قارون كان من قوم موسى} الآية
-
{وإلى مدين أخاهم شعيبًا}
-
باب قول الله تعالى: {وإن يونس لمن المرسلين}
-
باب: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر}
-
باب قول الله تعالى: {وآتينا داود زبورًا}
-
باب: أحب الصلاة إلى الله صلاة داود
-
باب: {واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب}
-
باب قول الله تعالى: {ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب}
-
باب قول الله تعالى: {ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله}
-
باب: {واضرب لهم مثلًا أصحاب القرية}
-
باب قول الله تعالى: {ذكر رحمة ربك عبده زكريا}
-
باب قول الله تعالى: {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت}
-
باب: {وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك}
-
باب: قوله تعالى: {إذ قالت الملائكة يا مريم}
-
باب قوله: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم}
-
باب: {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها}
-
باب نزول عيسى ابن مريم عليهما السلام
-
باب ما ذكر عن بني إسرائيل
-
حديث أبرص وأعمى وأقرع في بنى إسرائيل
-
باب {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم}
-
حديث الغار
-
باب
-
باب قول الله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل}
-
كتاب المناقب
-
كتاب فضائل الصحابة
-
كتاب مناقب الأنصار
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
كتاب فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الطلاق
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
كتاب المرضى
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
كتاب الرقاق
-
كتاب القدر
-
كتاب الأيمان والنذور
-
باب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
كتاب الحيل
-
كتاب التعبير
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
كتاب التمني
-
كتاب أخبار الآحاد
-
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
-
كتاب التوحيد
░42▒ (باب {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} [يس:13]) يعني: الآيات بقرينة تفسير قوله: {فَعَزَّزْنَا} [يس:14] وقوله: {طَائِرُكُمْ} كما سيأتي؛ قال الله تعالى في سورة يس: {وَاضْرِبْ لَهُمْ} أي: ومَثِّلْ لَهُم، من قَولهم: هذه الأشياء على ضَرْبٍ واحدٍ؛ أي: مِثَالٍ واحد، وهو يتعدَّى إلى مفعولين لتضمُّنه معنى الجعل وهما {مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} على حذف مضاف؛ أي: اجعل لهم مثلاً مِثْلَ أصحاب القرية؛ أي: اذْكُر لهم قصَّةً عجيبةً قصَّةَ أصحاب القرية، والمثل الثاني بيان للأوَّل، ويجوزُ أن يقتصرَ على مفعولٍ واحدٍ ويجعل المقدَّر بدلاً من الملفوظ، أو بياناً له، والقرية أنطاكية على ما ذكره ابنُ إسحاق ووهب في (المبتدأ) ولعلَّها كانت مدينة بالقرب من هذه الموجودة الآن؛ لأنَّ الله تعالى أخبر أنَّه أهلك أهلها، وليس لذلك أثر في هذه المدينة الموجودة الآن، قاله الحافظُ العسقلاني.
{إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ} [يس:13] بدل من أصحاب القريةِ، والمرسلون رسلُ عيسى ◙ إلى أهلها بعثَهم دُعاة إلى الحقِّ، وكانوا عبدةَ أوثان وإضافته إلى نفسه في قوله: {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ} [يس:14] لأنَّه فِعْلُ رسولِه وخليفتِهِ، وهما: يحيى ويونس، قاله وهب، وقال مقاتل: تومان ومالوس. /
وقال كعبٌ: صادق وصدوق. وقال ابن إسحاق: قاروص وماروص، والأوَّل هو المشهور.
{فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا} فقوَّينا يقال: المطرُ يُعَزَّزُ الأرضَ إذا لبَّدها وشدَّها، وتعزَّز لحمُ الناقة: إذا سمنَ وقوي. وقرأه أبو بكر مخفَّفاً من عزَّه إذا غلبه، وحذف المفعول لدَلالة ما قبله عليه، ولأنَّ المقصود ذِكْرُ المعزز به {بِثَالِثٍ} هو: شمعون رأس الحواريين، وهو قولُ ابن كثير. وقال كعب: اسمه: شلوم، وقال مقاتل: سَمعان، وقيل: بُولس.
{فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} [يس:14] وذلك أنَّهم كانوا عبدةَ أصنام فأرسل إليهم عيسى ◙ اثنين فلمَّا قربا من المدينة رأيا شيخاً يرعى غُنَيمات، وهو حبيب النَّجار صاحب يس؛ أي: صاحب هذه السورة فسألهما فأخبراه، فقال: أمعكما آية؟ فقالا: نشفِي المريض، ونُبْرِئ الأكمهَ والأبرصَ، وكان له ولد مريض مِنْ سَنتين فمَسحاهُ فبرأ، فقام فآمن حبيب وفشا الخبر، فشُفِيَ على أيديهما خَلْقٌ، وبلغ حديثُهما إلى المَلِك، وقال لهما: ألنا إله سوى آلهتنا؟ قالا: نعم من أوجدَك وآلهتك، فقال: لا أؤمن حتى أنظرَ في أمركما فتبعهما النَّاس فضربوهما، وقيل: حُبِسَا ثمَّ بعث عيسى ◙ شمعون فدخل متنكراً وعاشر حاشيةَ المَلِك وأصحابه حتى استأنسوا به ورفعوا خبرَه إلى الملك وأوصلوه إليه، فأنس به، فقال له ذات يوم: بلغني أنَّك حبست رجلين فهل سمعتَ ما يقولانه؟ قال: لا حال الغضبُ بيني وبين ذلك، فدعاهما فقال شمعون: مَن أَرْسَلَكما؟ قالا: الله الذي خلقَ كلَّ شيءٍ وليس له شريك، فقال: صِفاه وأوْجِزا، قالا: يفعلُ ما يشاء ويحكمُ ما يريد، قال: وما أتاكما قالا: ما يتمنى المَلِك فدعا بغلامٍ مَطموسِ العينين، فدعوا الله حتى انشقَّ له بصر وأخذا بندقتين (1) فوضعاهما في حدقتيه فصارتا مقلتين ينظرُ بهما، فقال له شمعون: أرأيتَ لو سألتَ إلهك حتى يَصْنَعَ مثل هذا حتى يكون لك وله الشَّرف فقال: ليس لي عنك سرٌّ؛ إلهنا لا يبصرُ ولا يَسمعُ ولا يضرُّ ولا ينفعُ، وكان شمعون يدخلُ معهم على الصَّنم فيصلي ويتضرع ويحسبون / أنَّه منهم.
ثمَّ قال: إن قَدِرَ إلهك على إحياءِ ميِّت آمنا به، فدعوا بغلام مات من سبعةِ أيَّام فدعوا فقام وقال: إني أُدْخِلْتُ في سبعة أوديةٍ من النَّار، وأنا أحذِّركم ما أنتم فيه فآمِنوا، وقال: فتُحِتْ أبوابُ السَّماء فرأيتُ شاباً حسن الوجه يشفعُ لهؤلاء الثلاثة، قال الملك: ومن هم؟ قال: شمعون وهذان، فتعجَّب المَلِك فلمَّا رأى شمعون أنَّ قوله: قد أثَّر فيه نَصَحَه فآمن وآمن قومٌ، ومن لم يؤمن صاحَ عليهم جبريل فهلكوا.
{قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} [يس:15] لا مزيَّة لكم علينا تقتضِي اختصاصكم بما تدعون، ورفع بشرٌ، لانتقاض النَّفي المقتضي إعمالَ ما بـإلَّا {وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ} وحي ورسالة {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ} [يس:15] في دعوى رسالته {قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} [يس:16] استشهدوا بعلمِ الله، وهو يجري مجرَى القسم، وكذلك قولهم: شهدَ الله، وعلم الله، وزادوا اللام المؤكدة؛ لأنَّه جواب عن إنكارهم.
{وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [يس:17] الظَّاهر البيِّن المكشوف بالآيات الشَّاهدة لصحَّته، وهو المحسنُ للاستشهاد فإنَّه لا يحسنُ إلَّا بينته وإلَّا فلو قال المدعي: والله إنِّي لصادقٌ فيما أدَّعي ولم يُحْضِر البينة كان قبيحاً {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} [يس:18] تشاءمنا بكم، وذلك لاستغرابهم ما ادَّعوه واستقباحِهم له وتنفُّرهم عنه؛ إذ من عادة الجهال إن يتيمَّنوا بكلِّ شيءٍ مالوا إليه واشتهوهُ وآثروه وقَبِلَتْه طباعُهم، ويتشاءموا بما نفروا عنه وكرهوه، فإن أصابهم نعمةٌ، أو بلاءٌ قالوا: يِبَركةِ هذا وبشؤم هذا، كما حكى الله عن القِبط {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} [الأعراف:131]. وعن مشركي مكَّة: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ} [النساء:78] وقيل: حَبَس عنهم القَطْر فقالوا ذلك. وعن قتادة: إن أصابنا شيءٌ كان من أجلكم.
{لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا} عن مَقالتكم هذه {لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ. قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} [يس:18-19] سبب شؤمكم معكم، / وهو كفرُهم، أو أسباب شُؤمكم معكم، وهي سوءُ عقيدتهِم وأعمالهم وقرئ: ▬طيركم↨ {أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ} أي: وعظتُم وجواب الشَّرط محذوفٌ مثل: تطيرتم، أو توعدتُم بالرَّجم والتَّعذيب، وقد قرئ بألف بين الهمزتين وبفتح أنْ، والمعنى: أَتَطَيَّرْتُم لِأَنْ ذُكِّرتم. وقرئ أَنْ وإِنْ بغير استفهام بمعنى الإخبار؛ أي: طائركُم معكم حيث جرى ذِكْرُكُم، وهو أبلغُ؛ لأنَّه إذا شُئِمَ المكانُ بِذِكْرِهِم كان بِحُلُولِهم فيه أشأم.
{بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [يس:19] أي: قوم عادتكُم الإسراف في العصيان فمن ثمَّة جاءكُم الشُّؤم لا من قبل رسول الله وتذكيرهِ، أو بل أنتم قومٌ مُسرفون في الضَّلال مُتمادون في غيِّكم؛ حيت تتشاءمون بمن يجب التَّبرك به ويجب الإكرام له.
{وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} [يس:20] هو: حبيبُ بن إسرائيل النَّجار، وكان ينحتُ الأصنام، وهو ممَّن آمنَ برسولِ الله محمد صلعم وبينهما ستمائة سنة، كما آمن به تُبَّع الأكبر وورقةُ بن نوفل وغيرُهما ولم يؤمن بنبي أحدٌ إلَّا بعد ظهوره، وقيل: كان في غارٍ يعبدُ الله فلمَّا بلغه خبرُ الرُّسُلِ أتاهُم وأظهرَ دينه وقاوَل الكَفَرَةَ فقالوا: أوأنتَ تخالفُ دينَنا، فوثبوا عليه فقتلوهُ، وقيل: وَطِئوْه بأرجلهم حتى خرجَ قَصَبُه؛ أي: أمعاؤهُ من دبره، وقيل: رجموهُ، وهو يقول: اللَّهم اهدِ قومي. وقبرُه في سوقِ أنطاكية، فلمَّا قُتِلَ غَضِبَ الله عليهم فأُهْلِكوا بصيحةِ جبريل ◙.
وعن رسول الله صلعم : ((سُبَّاقُ الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفةَ عين: عليُّ بن أبي طالب، وصاحبُ يس، ومؤمنُ آل فرعون)).
{قَالَ} أي: حبيب النَّجار {يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ. اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً} على النُّصح وتبليغ الرِّسالة {وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [يس:20-21] إلى خير الدَّارين، وهذه كلمة جامعةٌ في الترغيب؛ أي: لا تخسرون معهم من دنياكم وتربحون صحَّة دينكم، فينتظمُ لكم خيرُ الدنيا والآخرة، ثمَّ أبرز الكلام في معرض المناصحة لنفسه، وهو يريد مناصحتَهم ليتلطَّف بهم / ويداريهم ولأنَّه أدخلُ في إمحاض النُّصْح حيث لا يريدُ لهم إلَّا ما يريدُ لروحهِ، ولقد وضعَ قوله: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} [يس:22] مكان قوله: ما لكم لا تعبدون الذي فطركم، إذ المراد تقريعهم على تركهم عبادةَ خالقهم إلى عبادة غيره، وكذلك قال: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس:22] مبالغة في التَّهديد ولم يقل: وإليه أرجعُ ثمَّ عادَ إلى المساق الأول، فقال: {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً} [يس:23] لا ينفعني شَفاعتهم {وَلَا يُنْقِذُونِ} [يس:23] بالنَّصر والمظاهرة {إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [يس:24] فإن إيثار ما لا ينفعُ ولا يدفعُ ضراً بوجه ما على الخالقِ المقتدر على النَّفع والضَّر وإشراكه به ضلال مبين لا يخفى على عاقلٍ {إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} [يس:25] أي: فاسمعوا قولي وأطيعوني فقد نبَّهتكم على الصَّحيح الذي لا معدلَ عنه، وهو على ما أشير إليه: أنَّ العبادة لا تصحُّ إلَّا لمن منه مبدؤكم وإليه مَرْجعكم، وما أدفعَ العقول وأنكرها لِأَنْ تَسْتَحِبُّوا وتؤثروا على عبادتِه عبادةَ أشياء، إن أرادكُم هو بضرٍّ، وشَفَعَ لكم هؤلاء، لم تنفعْ شفاعتُهم ولم يُمَكَّنوا من أن يكونوا شفعاءَ عنده، ولم يقدروا على إنقاذكُم منه بوجهٍ من الوجوه إنَّكم في هذا الاستحباب لواقعون في ضلالٍ ظاهر بيِّنٍ لا يخفى على ذي عقلٍ وتمييزٍ، وقيل: الخطاب للرُّسل، فإنَّه لما نَصَحَ قومَه أخذوا يرجمونَه، فأسرع نحو الرسل قبل أن يُقْتَلَ فقال: {إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} [يس:25]؛ أي: فاسمعوا إيماني تشهدوا لي به {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ} [يس:26] قيل له ذلك لما قُتل بُشْرى بأنَّه من أهل الجنَّة، أو إكراماً وإذناً في دخولها كسائر الشهداء.
قال قتادة: أدخلَه الله الجنَّة، وهو فيها حيٌّ يرزق، أراد قوله تعالى: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ}. [آل عمران:169-170] وعن الحسن: لما همُّوا بقتلهِ رفعَه الله إلى الجنَّة. وقوله تعالى: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ} [يس:26] خارج مخرج الاستئناف؛ لأنَّ هذا من مظانِّ السؤال عن حالهِ عند لقاء ربَّه كأنَّ قائلاً / قال: كيف كان لقاء ربِّه بعد ذلك التَّصلب في نصرة دينِه والتَّسخي لوجهه بروحه، فقيل: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ} ولم يقل: قيل له؛ لإنصباب الغرض إلى المقول وعظمه لا إلى المقول له مع كونه معلوماً، وكذلك قوله: {قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ. بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس:26-27] جوابٌ مرتَّب على تقديرِ سؤال سائلٍ عمَّا وجدَ من قوله عند ذلك القول العظيم له، وإنَّما تمنَّى عِلْم قومهِ بحالهِ ليكون عِلْمُهم بها سبباً في اكتسابِ مثْلِها لأنفسهم بالتَّوبة عن الكفرِ والدُّخول في الإيمان والعمل الصالح المُفْضِيَين بأهْلِهِما إلى الجنَّة.
وفي حديث مرفوع نَصَحَ قومه حَيّاً ومَيتاً، وفيه تنبيهٌ عظيم على وجوب كظمِ الغيظِ والحلم عن أهل الجهل والتَّرَؤف على من أَدْخَلَ نفسه في غمارِ الأشرار وأهلِ البغي، والتَّشمر في تخليصهِ والتَّلطف في افتدائه والاشتغالِ بذلك عن الشَّماتة والدُّعاء عليه، ألا تَرَى كيف تَمَنَّى الخير لقَتَلَتِه، والباغين له الغَوَائلَ، وهم كفرةٌ عبدةُ أصنامٍ، وهذا هو دأب أولياء الله تعالى.
ويجوز أن يتمنَّى ذلك ليعلموا أنَّهم كانوا على خطأ عظيمٍ في أمره وأنَّه كان على صوابٍ ونصيحةٍ وشفقةٍ وأنَّ عداوتَهم لم تُكْسِبْه إلَّا فوزاً ولم تُعْقِبْه إلَّا سعادة؛ لأنَّ في ذلك زيادةُ غبطةٍ له وتضاعف لذَّة وسرورٍ.
والأوَّل أوجهُ، وما خبريَّة، أو مصدريَّة والباء صلة يعلمون، أو استفهاميَّة جاءت على الأصل والباء صلة غُفِر؛ أي: بأيِّ شيءٍ غُفِر لي يريد به المهاجرة عن دينهم والمصابرة لإعزازِ الدين حتى قُتِلَ إلَّا أنَّ قولك: بم غُفِرَ لي بطرح الألف أجود وإن كان إثباتها جائزاً {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ} [يس:28] من بعدِ إهلاكهِ على رأي الجمهور، أو رفعهِ على قول الحسن {مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ} لإهلاكهِم كما أرسلنا يوم بدرٍ والخندق، والمعنى: أنَّ الله كفى أمرَهم بصيحةِ مَلَكٍ ولم يُنْزِلْ لإهلاكهم جُنْداً من جُنودِ السَّماء كما فعل يوم بدرٍ والخندق، وفيه استحقارٌ لهلاكهم وإيماءٌ بتعظيم الرسول صلعم {وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ} [يس:28] وما صح في حكمنا / أن ننزِّل جنداً لإهلاكِ قومه إذ قدَّرنا لكلِّ شيءٍ سبباً وجعلنا ذلك؛ أي: إنزالَ الجُنْدِ من السَّماء سبباً لانتصارك من قومك.
وقال الزمخشريُّ: وهو تفصيلُ ما ذكرنا آنفاً. قال: فإن قلتَ: ما معنى قوله: {وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ} [يس:28]. قلتُ: معناه وما كان يصحُّ في حكمنا أن نُنْزِلَ في إهلاك قوم حَبيب جنداً من السَّماء، وذلك لأن الله ╡ أجرى هلاك كلِّ قومٍ على بعض الوجوه دون بعض، وما ذاك إلَّا بناء على ما اقتضته الحكمة، وأوجبتْه المصلحةُ ألا تَرَى إلى قوله: {فمِنْهُم مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيه حَاصِبَاً ومِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْه الصَّيْحَةُ ومِنْهُم مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرضَ ومِنْهُم مَنْ أَغْرَقنَا} [العنكبوت:40].
فإن قلتَ: فَلِم أنزلَ الجُنودَ من السَّماء يوم بدرٍ والخندق، قال: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب:9] {بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال:9] {بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ} [آل عمران:124] {بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران:125]
قلتُ: إنما كان يكفي مَلَك واحدٌ فقد أُهْلِكَتْ مدائنُ لوط بريشةٍ من جناح جبريل ◙، وبلادُ ثمود وقومُ صالحٍ بصيحةٍ، ولكنَّ الله فضَّل محمداً صلعم بكلِّ شيءٍ على كبار الأنبياء وأولي العزمِ من الرُّسل، فضلاً عن حبيب النَّجار، وأَوْلَاه مِنْ أَسْبَابِ الكرامةِ والإعزاز ما لم يُوله أحداً، فمن ذلك أنزل جنوداً من السَّماء، وكأنَّه أشار بقوله: {وَمَا أَنْزَلْنَا} {وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ}[يس:28] إلى أنَّ إنزال الجنود من عظائم الأمور التي لا يؤهل لها إلَّا مثلك، وما كنا نفعلُ بغيرك. انتهى.
وقيل: {مَا} موصولة معطوفة على {جُنْدٌ}؛ أي: وما كنا منزلين على من قبلهم من حجارةٍ وريحٍ وأمطارٍ شديدة {إِنْ كَانَتْ} أي: ما كانت الأَخْذَةُ، أو العقوبة {إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً} صاحَ بها جبريلُ ◙. وقرأ أبو جعفر بالرفع على أنَّ كان تامة؛ أي: ما وقعت إلَّا صيحةً واحدةً. وقرأ ابنُ مسعود ☺: ▬إلا زقية واحدة↨ من زَقَا الطائر يَزْقُو ويَزْقِي: إذا صاح. ومنه المثل: أثقل من الزَّواقي {فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} [يس:29] ميِّتون، خمدوا كما تخمدُ النَّار؛ فتعود رماداً، وفيه رمزٌ إلى أنَّ الحيَّ كالنار الساطعة، والميِّتَ كَرَمادِها، كما قال لبيد:
وَمَا الْمَرْءُ إِلَّا كَالشِّهَابِ وَضَوْئِهِ يَحُورُ رَمَادًا بَعْدَ إِذْ هُوَ سَاطِع /
{يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} [يس:30] نداءٌ للحسرة عليهم كأنَّما قيل لها: تعالي {يَا حَسْرَةً} فهذه من الأحوال التي من حقِّها أن تحضرِي فيها، وهي ما دلَّ عليه قوله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [يس:30] أي: حال استهزائهم بالرُّسل، والمعنى: أنهم أحقَّاء بأن يتحسَّر عليهم المتحسِّرون، ويتلهَّف على حالهم المتلهِّفون، أو هم مُتَحَسَّرٌ عليهم من جِهةِ الملائكة والمؤمنين من الثَّقلين، ويجوز أن يكون من الله ╡ على سبيل الاستعارة في معنى تعظيمِ ما جَنَوه على أنفسهِم ومَحَنُوها به، وفرط إنكاره له، وتعجيبهِ منه ونصبها لكونها شبه المضاف بالجارِّ المتعلِّق بها، وقيل: بإضمار فعلها، والمنادى محذوف. وقرئ: ▬يَا حَسْرَةَ العِبَادِ↨ بالإضافة إلى الفاعل أو المفعول و{يَا حَسْرَةً عَلَى العِبَادِ} بإجراءِ الوصل مجرى الوقف.
(قَالَ مُجَاهِدٌ {فَعَزَّزْنَا} [يس:14]: شَدَّدْنَا) أشار به إلى تفسير قوله: {فَعَزَّزْنَا} وحكي عن مجاهد أنَّه قال: معناه شدَّدْنا؛ يعني: قوَّينا الرَّسولين الأولين برسولٍ ثالثٍ وعلى يدهِ كان الخلاص، وقول مجاهد هذا وَصَله الفِرْيابيُّ من طريق ابنِ أبي نَجيح، عنه.
(وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ☻ : {طَائِرُكُمْ} مَصَائِبُكُمْ) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} [يس:19]وفسَّره بقوله: مصائبكم. وقول ابنِ عبَّاس ☻ هذا وصله ابنُ أبي حاتم من طريق عليِّ بن أبي طلحة، عنه. ولم يذكر المصنِّف في هذا الباب حديثاً مرفوعاً، وقد روى الطَّبراني من حديث ابن عبَّاس ☻ مرفوعاً: ((السَّبق ثلاثة: يوشعُ إلى موسى، وصاحبُ يس إلى عيسى، وعلي إلى محمد صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهما))، وفي إسنادهِ حسين بن حسن الأشقر، وهو ضعيفٌ، فإن ثبتَ دلَّ على أنَّ القصَّة كانت في زمن عيسى أو بعده، وصنيعُ المصنف يقتضِي أنَّها قبل عيسى ◙.
وروى ابن أبي إسحاق عن أبي طَوالة، / عن كعب الأحبار أنَّ اسمَ صاحب يس حبيب، وروى الثَّوري في «تفسيره» عن عاصم، عن أبي مجلِز، قال: كان اسمُه حبيب بن مرِّي، وعن شبيب بن بشر، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس ☻ : «هو حبيب النَّجار». وعن السُّدي: كان قَصَّاراً، وقيل: كان إِسْكَافاً.
[1] في هامش الأصل: البندقة: الحجر الصغير المدور.