نجاح القاري لصحيح البخاري

باب البول قائِمًا وقاعدًا

          ░60▒ (باب) بيان حكم (الْبَوْلِ) حال كون البائل (قَائِماً وَ) حال كونه (قَاعِداً)، قال ابن بطال: دلالة الحديث على القعود بطريق الأولى ؛ لأنه إذا جاز قائماً فقاعداً يكون أجوز، وقال الحافظ العسقلاني: ويحتمل أن يكون أشار بذلك إلى حديث عبد الرحمن بن حَسْنة الذي أخرجه النسائي وابن ماجه وغيرهما فإن فيه: «بال رسول الله صلعم جالساً فقلنا: انظروا إليه يبول كما تبول المرأة»، وحكى ابن ماجه عن بعض مشايخه أنه قال: كان من شأن العرب البول قائماً.
          ألا تراه يقول في حديث / عبد الرحمن بن حسنة: ((قعد يبول كما تبول المرأة))، وقال في حديث حذيفة: ((فقام كما يقوم أحدكم))، ودلَّ حديث عبد الرحمن المذكور على أنه صلعم كان يخالفهم في ذلك فيقعد ؛ لكونه أستر وأبعد من مماسة البول، وهو حديث صحيح، صححه الدارقطني وغيره، ويدل عليه حديث عائشة ♦: ((ما بال رسول الله صلعم قائماً منذ أُنْزِل عليه القرآن))، رواه أبو عوانة في ((صحيحه)) والحاكم.
          هذا، وقال محمود العيني: قوله: دلالة الحديث على القعود...إلى آخره ؛ غير مُسلَّم ؛ لأن أحاديث الباب كلها في البول قائماً، وجواز البول قائماً حكم من الأحكام الشرعية، فكيف يقاس عليه جواز البول قاعداً بطريق العقل؟
          والأحسن أن يقال: لما ورد جواز البول قائماً وجوازه قاعداً بأحاديث كثيرة، أورد البخاري أحاديث الفصل الأول فقط، وإن كان أشار في الترجمة إلى الفصلين إما اكتفاء لشهرة الفصل الثاني، وعمل أكثر الناس عليه، وإما إشارة إلى أنه وقف على أحاديث الفصلين، ولكنه اقتصر على أحاديث الأول ؛ لكونها على شرطه. انتهى، فافهم.
          ووجه المناسبة بين البابين ظاهر ؛ لأن كلاً منهما في أحكام البول، بل هنا تسعة أبواب، كلها في أحكام البول، فلا حاجة إلى ذكر وجه المناسبة بينها.