نجاح القاري لصحيح البخاري

باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق

          ░50▒ (باب مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْ) أكل (لَحْمِ الشَّاةِ) قيد بلحم الشاة ليندرج ما هو مثلها وما دونها بالأولى، ولا يبعد أن يُحترز بها عن لحوم الإبل فإن زهومتها شديدة، كما هو مذهب أحمد مستدلاً بما رواه جابر بن سَمُرَة ☺: أن رجلاً سأل رسول الله صلعم أأتوضأ من لحم الغنم؟ قال: ((إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ)) قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: ((نعم توضأ [من] لحوم الإبل))، رواه مسلم، وبما رواه البزار قال: سئل النبي صلعم عن الوضوء من لحم الإبل فأَمَرَ به، وقد صحح هذا الحديث في ((المجموع)).
          (وَالسَّوِيقِ) بالسين والصاد لغةٌ فيه، والجمع: أَسْوِقة، سمي بذلك لانسياقه في الخلق، وهو ما يتخذ من الشعير أو القمح ويُدَق بعدما قُلِيَ فيكون شبه الدقيق، وإذا احتيج إلى أكله خُلِط بماءٍ أو لَبَنٍ أو ربٍّ أو نحوه، وعاب رجل السويق بحضرة أعرابي فقال: لا تَعِبْهُ فإنه عدة المسافر، وطعام العَجلان وغذاء المُبْكر، وبُلْغَة المريض، وهو يُسِرُ فؤاد المحزون، ويَرُدُّ من نفس المحرور، وجيد في التسمين ومنعوت في الطيب، وهو يحلل البلغم، وملبونه يصفي الدم وإن شئت كان / شراباً، وإن شئت كان طعاماً، وإن شئت كان ثريداً، وإن شئت كان خبيصاً، وقال ابن التين: ليس في الباب ذكر السويق.
          وقال الحافظ العسقلاني: إنَّه داخل في الحُكم من باب الأولى ؛ لأنه إذا لم يتوضأ من اللحم مع دسومته فعدم التوضؤ من السويق أولى، أو لعلَّه أشار بذلك إلى حديث الباب الذي بعده. انتهى، وهذا بعيد جداً.
          (وَأَكَلَ أَبُو بَكْرٍ) هو الصديق خليفة رسول الله صلعم وأفضل الناس بعده، واسمه المنيف: عبد الله بن أبي قحافة عثمان، وأمه أم الخير بنت صخر، أسلم أبوه وأمه ♥ .
          قال العلماء: لا يعرف أربعة متناسلون صحابيون إلا آل أبي بكر وهم: عبد الله بن أسماء بنت أبي بكر بن أبي قحافة فهؤلاء الأربعة صحابيون متناسلون، ولُقِّب عتيقاً إما لحُسْن وجهه، وإما لأنه عتيق الله من النار، وإما لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به، وهو أول الناس إسلاماً، هاجر مع رسول الله صلعم ، وشهد المشاهد كلها، ثمَّ ولي الخلافة سنتين، واستكمل بخلافته سن رسول الله صلعم فمات وهو ابن ثلاث وستين سنة، وذلك سنة ثلاث عشرة من الهجرة، وصلى عليه عمر ☻ في المسجد، ودفن في حجرة عائشة ♦ عند رسول الله صلعم ، روي له عنه صلعم مائة حديث واثنان وأربعون حديثاً، ذكر البخاري منها سبعة عشر، ولا يحيط بفضائله إلا عِلْمُ الله سبحانه وتعالى، وسيأتي بعضها في فضائل أصحاب النبي صلعم .
          (وَعُمَرُ) الفاروق ☺، وقد تقدم ذكره في الوحي [خ¦1] (وَعُثْمَانُ) ذو النورين ☺، وقد مر في باب الوضوء ثلاثاً [خ¦159] ( ♥ (1) فَلَمْ يَتَوَضَّؤُوا) كذا في رواية أبي ذر وهو يَعُمُّ كل ما مسته النار وغيره، وأما في رواية الأصيلي والكُشميهني والحَموي: <وأكل أبو بكر وعمر وعثمان لحماً> بذكر لحماً، قيل: والأول أولى لأنه أعم، وهذا التعليق وصله الطبراني في ((مسند الشاميين)) بإسناد حسن من طريق سُلَيم بن عامر قال: ((رأيت أبا بكر وعمر وعثمان أكلوا مما مسَّت النار ولم يتوضؤوا)).
          ورواه ابن أبي شيبة، عن هُشيم: أخبرنا علي بن زيد: حدثنا محمد بن المُنْكدر قال: ((أكلت مع رسول الله صلعم ومع أبي بكر وعمر وعثمان ♥ / خبزاً ولحماً فصلُّوا ولم يتوضؤوا))، ورواه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان أيضاً، وأخرجه الطحاوي من عشر طرق، وروي أيضاً عن جماعة من الصحابة نحوه، وغرض البخاري من هذا التعليق بيان الإجماع السكوتي.


[1] في (خ) زيادة: ((لحماً)).