نجاح القاري لصحيح البخاري

باب ما جاء في غسل البول

          ░56▒ (باب مَا جَاءَ) من الحديث (فِي) حكم (غَسْلِ الْبَوْلِ) وجه المناسبة بين البابين أن المذكور في الباب السابق البول الذي كان سبباً لعذاب صاحبه في قبره، وفي هذا الباب بيان غسل ذلك البول (وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم ) أي: في الحديث السابق: (لِصَاحِبِ الْقَبْرِ) أي: لأجل صاحب القبر أو عن صاحب القبر، كما ذكره ابن الحاجب، واحتج عليه بقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [الأحقاف:11]، وقيل: ويجوز أن تكون اللام هنا بمعنى (عند) كما في قولهم: كتبته لخمس خلون (كَانَ لاَ يَسْتَتِرُ) من الاستتار، وفي رواية ابن عساكر: <لا يستبرئ> من الاستبراء ؛ أي: لا يستفرغ البول جهده بعد فراغه منه فيخرج منه بعد وضوئه.
          (مِنْ بَوْلِهِ) وهذا تعليق من البخاري، وقد أراد به الإشارة إلى أن المراد من البول المذكور هو بول الناس لا سائر الأبوال فلذلك قال: (وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَى بَوْلِ النَّاسِ) وقد استفاد ذلك / من إضافة البول إليه فتكون رواية <لا يستتر من البول> محمولة على ذلك من باب حَمْل المطلق على المقيد، وكأنَّ فيه رداً على الخطابي حيث قال: فيه دليل على نجاسة الأبوال كلها، وليس كذلك، بل الأبوال غير بول الناس على نوعين: أحدهما: نجس مثل بول الناس يلتحق به لعدم الفارق وهو بول ما لا يؤكل.
          والآخر: طاهر عند من يقول بطهارته، وهو بول ما يؤكل فلا حجة في الحديث لمن قال بنجاسته، ولمن قال بطهارته حجج أخرى، وقال القرطبي: قوله: من البول اسم مفرد لا يقتضي العموم، ولو سلم فهو مخصوص بالأدلة المقتضية لطهارة بول ما يؤكل. انتهى.