نجاح القاري لصحيح البخاري

باب التسمية على كل حال وعند الوقاع

          ░8▒ (باب التَّسْمِيَةِ)؛ أي: ذكر اسم (1) الله تعالى (عَلَى كُلِّ حَالٍ) سواء كان طاهراً أو مُحْدثاً أو جُنُباً (وَعِنْدَ الْوِقَاعِ) بكسر الواو ؛ أي: الجماع وعطفه عليه من باب عطف الخاص على العام للاهتمام به ؛ لأن حال الوقاع يخالف سائر الأحوال، ولأنه هو المذكور في الحديث المذكور في الباب، وإنما اقتصر في الباب على هذا الحديث سلوكاً إلى الطريقة البرهانية ؛ لأن التسمية إذا شُرِعت في حال الجماع وهي أبعد حال من ذكر الله، وهي ممَّا أُمِرَ فيه بالصَّمت ففي غيرها أولى، وفيه إشارة إلى تضعيف ما ورد من كراهة ذكر الله في حالين: الخلاء والوقاع، لكن على تقدير صحته لا ينافي حديث الباب ؛ لأنه يُحمَل على حال إرادة الجماع.
          لكن يؤيِّد ما أطلقه المؤلِّف ☼ ما رواه ابن أبي شيبة من طريق علقمة بن مسعود: كان إذا غَشِي أهله فأَنْزَل قال: «اللهم لا تجعل للشيطان فيما رزقتني نصيباً»، ولما كان مسنونيَّة التسمية عند الوضوء منفهمة عن حديث الباب أيضاً بالطريق المذكور ذكر هذا الحديث هاهنا إشارة إليها، ولم يَذْكر حديث: «لا وضوء لمن لم يَذْكر اسم الله عليه» مع كونه أبلغ في الدلالة؛ لأنه ليس على شرطه بل هو مطعون فيه، ثمَّ إنه لما ذكر كتاب الوضوء عقيب كتاب العلم للمناسبة التي ذكرت هناك ذكر عقيبه ستة أبواب ليس فيها شيء من أوصاف الوضوء، وإنما هي / كالمقدمات لها.
          ثمَّ ذكر الباب السابع الذي فيه صفة الوضوء، وكان ينبغي أن يذكره بعد أبواب الاستنجاء في أثناء الأبواب التي يذكر فيها صفات الوضوء، ولكنه ذكره عقيب الباب السادس بطريق الاستطراد والاستتباع، ثمَّ شرع يذكر أبواب الاستنجاء وبعدها أبواب صفات الوضوء على ما يقتضيه الترتيب، وقدَّم باب التسمية على الجميع ؛ لأن المتوضئ يستنجي أولاً، فبالضرورة قدَّم أبواب الاستنجاء على أبواب الوضوء، ثمَّ لا بد من تقديم التسمية لأنَّا نُدِبْنَا إلى أن نسمي الله تعالى في ابتداء كل أمر ذي بَالٍ ليقع المبدوء به متبركاً ببركة اسم الله تعالى، فبالضرورة قدَّم باب التسمية.


[1] ((اسم)): ليست في (خ).