إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: سمعت النبي يقرأ في المغرب بالطور

          4023- 4024- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ) المرْوزيُّ قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ ”أخبرنَا“ (عَبْدُ الرَّزَّاقِ) بنُ همَّام بن نافعٍ الحافظُ أبو بكر الصَّنْعاني (قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ) هو ابنُ راشد (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمدِ بن مسلمٍ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ بْنِ مُطْعِمٍ) أي: ابن عديٍّ، وسقط «ابن مُطعم» في «اليونينية» وثبتَ في الفَرْع وغيره (عَنْ أَبِيهِ) ☺ أنَّه (قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم يَقْرَأُ فِي) صلاة (المَغْرِبِ بِالطُّورِ، وَذَلِكَ أَوَّلَ مَا وَقَرَ) أي: سكنَ وثبتَ (الإِيمَانُ فِي قَلْبِي(1)) كذا في «اليونينية» وغيرها من الأصول المعتمدةِ: «الإيمان» وفي الفَرْع: ”الإسلام“ وقد كان حينئذٍ كافرًا، ولم ينطقْ بالإسلام، والتزم أحكامَهُ إلَّا عند فتح مكَّة.
          (وَعَنِ الزُّهْرِيِّ) محمد، بالإسناد السَّابق (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ) أي: ابنِ عديٍّ (عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: لَوْ كَانَ المُطْعِمُ) بضم الميم وكسر العين المهملة (بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا / ، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى) بنونين مفتوحتين بينهما فوقية ساكنة، جمع: نَتِن، كزَمِن يُجْمَعُ على زَمْنى، والمراد: قتلى بدرٍ الذين صاروا جيفًا (لَتَرَكْتُهُمْ) أحياءَ ولم أقتلْهم من غيرِ فداءٍ إكرامًا (لَهُ) واحترامًا وقبولًا لشفاعتهِ؛ لِمَا كانت له عنده صلعم من اليد حين رجعَ من الطَّائف في جوارهِ.
          وعندَ الفَاكهي بإسنادٍ حسنٍ مرسل: أنَّ المُطْعم بن عديٍّ أَمَر أربعةً من أولادهِ فلبسُوا السِّلاح، وقام كلُّ واحدٍ منهم عند(2) ركنٍ من الكعبةِ، فبلغَ ذلك قريشًا فقالوا له: أنت الرَّجل الذي لا تُخفر له ذمَّة، ولَمَّا حصر قريشٌ بني هاشم ومن معهم من المسلمين في الشِّعب، كان المطعمُ من أشدِّ من قام في نقضِ‼ الصَّحيفة التي كتبتها قريشٌ على بني هاشمٍ ومن معهم، ومات المُطْعم قبل وقعة بدرٍ.
          (وَقَالَ اللَّيْثُ) بن سعدٍ إمامُ المصريين، ممَّا وصله أبو نُعيم في «مستخرجه» (عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيْدٍ) الأنصاريِّ، وسقط لغير أبي ذرٍّ «ابن سعيد» (عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ) أنَّه قال: (وَقَعَتِ الفِتْنَةُ الأُولَى _يَعْنِي: مَقْتَلَ عُثْمَانَ_) بن عفَّان ☺ يوم الجمعةِ لثمانِ ليالٍ خلتْ من ذي الحجَّة، بعد أن حُوصر تسعة وأربعين يومًا، أو شهرين وعشرين يومًا (فَلَمْ تُبْقِ) بضم الفوقية وسكون الموحدة، الفتنةُ الأولى (مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ) الَّذين شهدوا وقعتَها (أَحَدًا، ثُمَّ وَقَعَتِ الفِتْنَةُ الثَّانِيَةُ _يَعْنِي: الحَرَّةَ_) بفتح الحاء المهملة والراء المشددة: أرضٌ ذاتُ حجارة سُود، موضعٌ بالمدينةِ كانت به الوقعةُ بين أهلِها وعسكرِ يزيد بن معاويةَ سنة ثلاث وستين؛ بسبب خلعِ أهل المدينةِ يزيدَ، وولَّوا على قريشٍ عبدَ الله بن مُطِيع، وعلى الأنصار عبدَ الله بن حنظلةَ، وأخرجوا عاملَ يزيد عثمانَ بن محمد بنِ أبي سفيان، ابن عمِّ يزيد من بين أظهرِهِم، وكان عسكرُ يزيد سبعة وعشرين ألف فارسٍ، وخمسة عشر ألفَ راجلٍ.
          (فَلَمْ تُبْقِ) هذه الفتنةُ الثَّانية (مِنْ أَصْحَابِ الحُدَيْبِيَةِ أَحَدًا، ثُمَّ وَقَعَتِ) الفتنة (الثَّالِثَةُ) قيل: هي فتنةُ الأزارقةِ بالعراق، وقيل: فتنةُ أبي حمزةَ الخارجيِّ بالمدينة في خلافةِ مروان بن محمد بنِ مروان بنِ الحكم سنة ثلاثين ومئة، وقيل: فتنةُ قتلِ الحجَّاج لعبد الله بنِ الزُّبير ☺ ، وتخريبه الكعبةَ سنة أربع وسبعين (فَلَمْ تَرْتَفِعْ) هذه الفتنةُ الثَّالثة (وَلِلنَّاسِ طَبَاخٌ) بفتح الطاء المهملة والموحدة المخففة وبعد الألف خاء معجمة، أي: عقلٌ، وقيل: قوَّةٌ، وقيل: بقيَّةُ خيرٍ في الدِّين.
          واستُشْكل قوله: «فلم تبقِ من أصحاب بدرٍ أحدًا» فإنَّ عليًّا والزُّبير وطلحة وسعدًا وسعيدًا وغيرهم عاشوا بعد ذلك زمانًا. فقال الدَّاوديُّ: إنَّه وهمٌ بلا شكٍّ، أو لعلَّه(3) عنى بالفتنة الأولى مقتلَ الحسين، وبالثانية الحرَّة، وبالثَّالثة ما كان بالعراقِ مع الأزارقةِ.
          وأُجيب بأنَّه ليس المراد أنَّهم قتلوا عند مقتلِ عثمان، بل أنَّهم ماتوا منذ قامتِ الفتنةُ بمقتلِ(4) عثمان إلى أن قامت الفتنةُ الأُخرى بوقعةِ الحرَّة، وكان آخرَ من مات من البَدْريين سعدُ بن أبي وقاصٍ، وماتَ قبل وقعة الحرَّة، وقولُ الدَّاودي: إنَّ المرادَ بالفتنةِ الأولى مقتلُ الحسين خطأ، فإنَّ في زمن مقتلِ الحسين لم يكن أحدٌ من البَدْريين موجودًا.
          وقول بعضهم: إنَّ «أحدًا» نكرةٌ في سياقِ النَّفي فيفيدُ العُموم. أُجيب عنه بأنَّه ما من عامٍّ إلَّا وقد خُصَّ إلَّا قوله تعالى: {وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[البقرة:282] وتُعقِّب قول من قال: إنِّ المرادَ بالفتنةِ الثالثة التي لم تُبيَّن‼ في الحديث فتنةُ الأَزَارقة بأنَّ الذي يظهر: أنَّ يحيى بن سعيد أرادَ بالفتنِ التي وقعتْ بالمدينةِ دون غيرها.


[1] «في قلبي»: سقط هنا في (د) وجاء بعد قوله الآتي: «الإسلام».
[2] في (م): «عند كل».
[3] في (س) و(ص): «ولعله».
[4] في (د): «بقتل».