إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من ينظر ما صنع أبو جهل؟

          4020- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بن كثيرٍ الدَّوْرقيُّ قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ) إسماعيلُ بن إبراهيمَ، و«عليَّة» أمُّه، قال: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ) بنُ طَرْخان أبو المعتمر (التَّيْمِيُّ) قال: (حَدَّثَنَا أَنَسٌ ☺ ) أنَّه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَوْمَ) وقعة (بَدْرٍ: مَنْ يَنْظُرُ مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ؟ فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ) ☺ (فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ) مُعاذ ومعوِّذ الأنصاريان (حَتَّى بَرَدَ) بفتحات، أي: مات (فَقَالَ) له ابنُ مسعود ☺ : (آنْتَ) بالمدِّ على الاستفهام (أَبَا جَهْلٍ؟) بالألف بعد الموحدةِ (قَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ: قَالَ سُلَيْمَانُ) بنُ طَرْخان: (هَكَذَا قَالَهَا أَنَسٌ) ☺ (قَالَ: آنْتَ أَبَا جَهْلٍ؟) بالألف بعد الموحدةِ، وخرَّجها‼ القاضي عياضٌ على أنَّه مُنادى، أي: أنت المقتولُ الذَّليل يا أبا جهلٍ، على جهةِ التَّوبيخ والتَّقريع.
          وقال الدَّاوديُّ: يحتمل مَعنيين: أن يكون استعملَ اللَّحن ليغيظَ أبا جهلٍ كالمصغِّر له، أو يريدُ: أعني أبا جهلٍ، وردَّه السَّفاقِسيُّ: بأنَّ تغييظهُ(1) في مثل هذه الحالةِ لا معنى له، ثمَّ النَّصب بإضمارِ أعني إنَّما يكون إذا تكرَّرت النُّعوت. وتعقبهُ في «التَّنقيح»(2) في الأول: بأنَّه أبلغُ في التَّهكم، وفي الثَّاني: بأنَّ / التِّكرار ليس شرطًا في القطعِ عند الجمهورِ، وإن أوهمتْهُ عبارةُ ابن مالك في كتبهِ.
          وقال في «المصابيح»: كلاهما معًا في الوجه الثاني غلطٌ؛ فإنَّ ما نحن فيه ليسَ من قطعِ النَّعت في شيءٍ لا مع التِّكرار ولا مع حذفِهِ ضرورة؛ لأنَّه(3) ليس عندنا غير ضميرِ الخطابِ، وهو لا يُنْعت إجماعًا.
          وقال القاضي عياض: رواهُ الحمويي(4): «آنت أبو جهل» وكذا البخاريُّ من طريقِ يونس(5)، وعلى هذا فيخرَّجُ على أنَّه استعملَ على لغة القصرِ في الأب، ويكون خبرَ المبتدأ.
          (قَالَ) أي: أبو جهلٍ لابن مسعودٍ ☺ : (وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ؟ قَالَ سُلَيْمَانُ) بنُ طَرْخان بالسَّند السَّابق: (أَوْ قَالَ: قَتَلَهُ قَوْمُهُ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ) بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي معجمة، لاحقُ بن حُميد: (قَالَ أَبُو جَهْلٍ) لابن مسعودٍ ☺ : (فَلَوْ) قتلني (غَيْرُ أَكَّارٍ) بفتح الهمزة وتشديد الكاف آخره راء، أي: زَرَّاع (قَتَلَنِي) هو مثل: لو ذاتُ سِوار لطمَتْني، فيكون المرفوع بعد «لو» فاعلًا بمحذوف يفسِّره الظَّاهر، ثمَّ يحتملُ أن تكون شرطيَّة، فالجواب محذوفٌ، أي: لتسلَّيتُ، ويحتملُ أن تكون للتَّمني فلا جواب، ومرادُه: احتقارُ قاتلهِ وانتقاصهِ عن أن يَقْتُلَ مثله أكَّار؛ لأنَّ قاتليهِ _وهما ابنا عفراء_ من الأنصار، وهم عمَّال أنفسهِم في أرضِهم ونخلِهم.
          فإن قلتَ: أين هذا من قوله: «وهل أعمدُ من رجلٍ قتله قومه؟» أُجيب بأنَّه أرادَ هنا: انتقاصَ المباشر لقتلهِ، وأراد هناك تسليةَ نفسهِ بأنَّ الشَّريف إذا قتلهُ قومُه لم يكن ذلك عارًا عليه، فجَعَل قومَهُ قاتلين له مجازًا باعتبار تسبُّبِهِم(6) في قتلِهِ وسعيهِم فيه، وإن لم يُبَاشروه، فمحلُّ الانتقاصِ غير محلِّ التَّعظيم، فلا تناقضَ. قاله في «المصابيح».


[1] في (د): «غيظه».
[2] في (ب) و(د): «الفتح».
[3] في (س) و(ص): «أنه».
[4] في الأصول : «الحميدي» والتصويب من المشارق.
[5] هكذا وقع في الأصول، وهو الذي في أصول المشارق الخطية، والصواب: «أحمد بن يونس»، انظر الحديث (3962).
[6] في (م): «نسبتهم».