الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: في الركاز الخمس

          ░66▒ (باب: في الرِّكاز الخمس...) إلى آخره
          والرِّكاز: المال المدفون، مأخوذ مِنَ الرَّكز _بفتح الرَّاء_ وهو الدَّفن، وهذا متَّفق عليه، واختُلف في المعدن كما سيأتي، كذا في «الفتح».
          واعلم أنَّ الرِّكاز عندنا الحنفيَّة عامٌّ يطلق على الدَّفين(1) وعلى المخلوق في الأرض، نعم المعدن والكنز متقابلان، فالمعدن: ما خُلق في الأرض، والكنز: ما دُفن فيها، والخُمس عندنا في كليهما، إلَّا في دفائن أهل الإسلام، فإنَّ حُكْمها حكمُ اللُّقَطة.
          وقالَ الشَّافعيُّ: الرِّكاز هو الدَّفين، ولا خمس عنده في المعدن، واحتجَّ بقوله صلعم: ((الْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ)) فإنَّه صريح في كون المعدن غير الرِّكاز، فهما شيئان، والوجه عندنا أنَّه إذا حُكم على المعدن بكونه جُبارًا تُوُهِّم منه كون المال الخارج منه أيضًا جُبارًا، لا شيء فيه، فقال: ((وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ))
          ففي الأوَّل بيان لحكم المحلِّ، أي: إنْ حضره(2) أحد فمات فيه لا شيء له.
          وفي الثَّاني: بيان للحال، أي: ما خرج منه، وإنَّما لم يكتف بالضَّمير تعميمًا للمسألة، فإنَّ الرِّكاز عام كما علمته، كذا في «الفيض».
          ففي المعدن عنده _أي الشَّافعيِّ_ وكذا عند مالك وأحمد الزَّكاة دون الخُمس، وعندنا الحنفيَّة في كليهما الخُمس، كما بسط في «هامش اللَّامع».
          وقال القَسْطَلَّانيُّ: قوله: (وقال مالك) هو ابن أنس إمام دار الهجرة (وابن إدريس) هو الشَّافعيُّ الإمام الأعظم صاحب المذهب كما جزم به أبو زيد المَرْوَزِيُّ أحد الرُّواة عن الفَرَبْريِّ، وتابعه البَيْهَقي، وقيل: المراد بابن إدريس: عبد الله بن إدريس الأَوْديُّ الكوفيُّ.
          (في قليله وكثيره الخُمُس) وهذا قول أبي حنيفة ومالك وأحمد، وبه قال إمامنا الشَّافعيُّ في القديم، وشرط في الجديد النِّصَاب، ولا تجب الزَّكاة فيما دونه إلَّا إذا كان في مِلكه مِنْ جنس النَّقد الموجود(3). انتهى مِنَ القَسْطَلَّانيِّ.
          قوله: (وقال الحسن...) إلى آخره، كتبَ الشَّيخ في «اللَّامع»: وذلك لأنَّه في حكم الغنيمة، ولا يكون له حكم الغنيمة عندنا إلَّا إذا لم يكن دخوله في دار الحرب بأمان، بل دخل فيها متلصِّصًا / أو متغلِّبًا، فأمَّا إذا دخلها بأمان فإنَّ أخذه شيئًا مِنْ أموالهم يكون غدرًا، وهذا التَّفصيل مرعيٌّ أيضًا على مذهب الحنفيَّة في قوله: وإن وُجدت لُقَطة في أرض العدوِّ. انتهى.
          وفي «هامشه»: قال الحافظ: وصله ابن أبي شيبة بلفظ: ((إذا وجد الكنز في أرض العدوِّ ففيه الخمس، وإذا وجد في أرض العرب ففيه الزَّكاة)) قال ابن المنذر: ولا أعلم أحدًا فرَّق هذه التَّفرقة غير الحسن. انتهى.
          وفي «الفيض» تحت قوله: (وقال الحسن) وهذا أقرب إلى الحنفيَّة لأنَّه أوجب الخُمُس في الرِّكاز مُطْلقًا، وما فرَّق به يوجب الخُمُس في معدن دار الإسلام أيضًا، فإنَّ الأراضي لتقادم العهد بالكفر كانت للكافرين، ثمَّ تحولت إلى مِلك المسلمين، فحكمها يكون كحكم الغنيمة، وإن وجد فيها المعدن في دار الإسلام. انتهى.
          قوله: (قال بعض النَّاس...) إلى آخره، وهذا أوَّل المواضع الَّتِي أورد فيها الإمام البخاريُّ على بعض العلماء بقوله: (وقال بعض النَّاس) وهي أربع وعشرون موضعًا في سائر كتابه، وهذا أوَّلُها، وآخرها في كتاب الأحكام، والمعروف عند العلماء أنَّ هذه كلَّها إيرادات على الحنفيَّة لا سيَّما على الإمام الأعظم أبي حنيفة ╩ ، وهذا صحيح باعتبار أكثر المواضع، وإلَّا فقد يقول: (قال بعض النَّاس) مع أنَّ المسألة إجماعيَّة كما سيأتي في كتاب الهبة، وقد يشير به إلى الشَّافعيِّ أيضًا كما سيأتي في كتاب الأحكام... إلى آخر ما بسط في «هامش اللَّامع».
          وفي «الفيض»: ولم يرد به أبا حنيفة في جميع المواضع، كما زُعِمَ، وإن كان المراد هاهنا هو الإمام الهمام، بل المراد في بعضها عيسى بن أبان، وفي بعضٍ آخرَ الشَّافعيُّ نفسه، وفي آخر محمَّد، ثمَّ لا يستعمله المصنِّف للرَّدِّ دائمًا، بل رأيته قد يقول: (بعض النَّاس) ثمَّ يختاره، وقد يتردَّد فيه... إلى آخر ما بسطه.
          وقوله: (ثمَّ ناقضه وقال: لا بأس...) إلى آخره، ليس بمناقضة كما حقَّقه المُحَشِّي، ولم ينفرد الإمام بذلك بل يجوز أن يتولَّى الإنسان تفرقته [الخُمس] (4)بنفسه عند أحمد وابن المنذر لِما رُوي عن عليٍّ ☺ أنَّه أمر واجد الكنز بتفرقه(5) [بتفرقته] على مساكين(6) [المساكين]، كما في «المغني»(7).
          قال الحافظ: قال ابن بطَّالٍ: ليس كما قال، إنَّما أجاز أبو حنيفة: أن يكتمه إذا كان محتاجًا، بمعنى أنَّ له حقًّا في بيت المال ونصيبًا، ونقل الطَّحَاوِيُّ المسألة كما قال ابن بطَّالٍ، ونقل أيضًا: لو وجد في داره معدنًا فليس عليه شيء، وبهذا يتَّجه اعتراض البخاريِّ(8). انتهى مِنَ «الفتح».
          قلت: وما قاله الحافظ: بعيد مِنْ مثله لأنَّ العلماء اختلفوا في الموضع الَّذِي يجب فيه الخمس، وقد بَسط الكلامَ على ذلك الموفَّقُ... إلى آخر ما ذكر في «هامش اللَّامع».


[1] في (المطبوع): ((الدفن)).
[2] في (المطبوع): ((حفره)).
[3] إرشاد الساري:3/81 مختصرا
[4] قوله: (([الخمس])) ليس في (المطبوع)
[5] قوله: ((بتفرقه)) ليس في (المطبوع).
[6] قوله: ((مساكين)) ليس في (المطبوع).
[7] المغني لابن قدامة:3/53 مختصرا وما بين حاصرتين من المغني وفيه أيضا قوله: أمر واجد الكنز بتفرقته على المساكين
[8] فتح الباري:3/365 مختصرا