الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {لا يسألون الناس إلحافا}

          ░53▒ (باب: قول الله تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة:273])
          أورد الآية الثَّانية تفسيرًا لقوله في التَّرجمة: (وكم الغنى) كأنَّه يقول: وقول النَّبيِّ صلعم: (وَلا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ) مبيِّن لقدر الغنى لأنَّ الله تعالى جعل الصَّدقة للفقراء الموصوفين بهذه الصِّفة، أي: مَنْ كان كذلك فليس بغنيٍّ ومَنْ كان بخلافها فهو غنيٌّ، وأمَّا قوله: (وكم الغنى) فلم يذكر فيه حديثًا صريحًا فيحتمل أنَّه أشار إلى أنَّه لم يَرِدْ فيه شيء، فيحتمل أنَّه أشار إلى أنَّه لم يرد فيه شيء(1)، فيُحتمل أن يُستفاد مِنْ قوله في الحديث: ((الَّذي لا يجد غِنًى يغنيه)) فإنَّ معناه: لا يجد شيئًا يقع موقعًا مِنْ حاجته، فمن وجد ذلك كان غنيًّا. وقد ورد فيه ما أخرجه التِّرمذيُّ وغيره مِنْ حديث ابن مسعود مرفوعًا، وفي آخره: ((قيل: يا رسول الله! وما يغنيه؟ قال: خَمْسُونَ دِرْهَمًا))(2)... الحديث. انتهى مختصرًا.
          قلت: أورد المصنِّف الرِّوايات العديدة بلفظ: ((غِنًى يُغْنِيهِ)) لعلَّه أشار إلى ألَّا تحديد فيه، وأنَّ ذلك يختلف باختلاف الأحوال، فالمانع في الواقع وجود شيء يُستغنى به عن السُّؤال بلا قيد خمسين درهمًا والنِّصاب وغيرهما، كما في «البذل» وغيره.
          وفي «الأوجز»: الغنى على ثلاثة أنواع:
          أحدها: الموجِب للزَّكاة.
          والثَّاني: المانع مِنْ أخذها.
          والثَّالث: المانع عن السُّؤال.
          أمَّا الأولان فهما: مِلْك نصاب موجب للزَّكاة إلَّا أنَّ الأوَّل يكون بعد تمام الحول، والثَّاني يكون بمجرَّد المِلْك بدون شرط حَوَلَان الحول، والثَّالث: أن يكون له قوت يومه وما يستر عورته، وهذا عندنا الحنفيَّة، وأمَّا بقية الأئمَّة فقد اختلط كلامهم في الغنى المانع عن أخذ الصَّدقة والمانع عن السُّؤال كما تقدَّم بعضُ ذلك عن الموفَّق في (باب: قدر كم يعطى مِنَ الزَّكاة).


[1] قوله: ((فيحتمل أنَّه أشار إلى أنَّه لم يرد فيه شيء)) غير مكرر في (المطبوع).
[2] فتح الباري:3/341