الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب خرص التمر

          ░54▒ (باب: خَرْص التَّمر)
          كتبَ الشَّيخ في «اللَّامع»: أراد بذلك إثبات جوازه باعتباره في نفسه حتَّى يجوز في العشر والعرية وغيرها مِنْ الصَّدقات، ولا ينافيه عروض حرمة البيع بالخَرْص بعارض شبهة الرِّبا، حيث تلزم، والله أعلم. انتهى.
          وفي «هامشه»: بسط الكلام على هذا الباب في «الأوجز»: وجملته أنَّ الخرْص بفتح المعجمة وقد تكسر وسكون الرَّاء، وهو حزر ما على النَّخل وغيره مِنَ الثَّمرة.
          قال ابن رشد في «البداية»: أمَّا تقدير النِّصاب بالخَرْص واعتباره به فجمهور العلماء على إجازته في النَّخيل والأعناب حين يبدو صلاحها لضرورة أَن يُخلِّيَ بينها وبين أهلها يأكلونها رطبًا، وقال داود: لا خَرْص إلَّا في النَّخيل فقط، وقال أبو حنيفة وصاحباه: الخَرْص باطل، وعلى رَبِّ المال أن يُؤَدِّيَ عُشْرَ ما تحت يده زاد على الخَرْص أو نقص، والسَّبب في اختلافهم معارضة الأصول للأثر الوارد في ذلك، وهو / ما رُوي أنَّ رسول الله صلعم كان يرسل عبد الله بن رواحة إلى خيبر، فيخرص عليهم النَّخل، وأمَّا الأصول الَّتِي تعارضه فلأنَّه مِنْ باب المزابنة المنهيِّ عنها، وهو بيع الثَّمر في رؤوس النَّخل بالتَّمر(1) كيلًا، ولأنَّه أيضًا مِنْ باب بيع الرُّطب بالتَّمر نسيئة، فيدخله المنع مِنَ التَّفاضل ومِنَ النَّسيئة، وكلاهما مِنْ أصول الرِّبا، فلمَّا رأى الكوفيُّون هذا مع أنَّ الخَرْص الَّذِي كان يُخرص على أهل خيبر لم يكن للزَّكاة قالوا: يحتمل أن يكون تخمينًا ليعلم ما بأيدي كلِّ قوم مِنَ الثِّمار... إلى آخر ما بسط الكلام على ذلك في «الأوجز»(2).
          مع بيان الاختلاف في فروع هذا الباب، مثلًا: يختصُّ بالنَّخل، أو يلحق به العنب أيضًا؟ أو يعمُّ كلَّ ما ينتفع به رطبًا وجافًّا؟
          وبالأوَّل قالت الظَّاهريَّة.
          وبالثَّاني قال الجمهور.
          وإلى الثَّالث نحا البخاريُّ... إلى آخر ما في «هامش اللَّامع».
          وقال شيخ مشايخنا الدِّهْلويُّ في «المسوى»: قالت الحنفيَّة: الخَرْص ليس بشيء، وأوَّلوا ما رُوي مِنْ ذلك أنَّه كان تخويفًا على الأكلة لئلَّا يخونوا. انتهى.
          هذا هو المعروف مِنْ مذهب الحنفيَّة، ومال الشَّيخ الكنكوهيُّ إلى جوازه في العُشر والعرية، فارجع إلى «الكوكب الدُّرِّيِّ» و«هامشه».
          وقال الحافظ: (باب: خَرْص التَّمر) أي: مشروعيَّته. انتهى.
          قلت: وفي ذكره في كتاب الزَّكاة إشارة منه إلى جوازه فيها.
          وقال الحافظ: اختلف القائلون بالخَرْص، هل هو واجب أو مستحبٌّ؟ الأوَّل وجه للشَّافعيَّة، والثَّاني قول الجمهور إلَّا إن تعلَّق به حقُّ المحجور(3) مثلًا، أو كان شركاؤه غير مؤتمنين فيجب لحفظ مال الغير(4). انتهى.


[1] في (المطبوع): ((بالثمر)).
[2] أوجز المسالك:6/102
[3] في (المطبوع): ((لمحجور)).
[4] فتح الباري:3/346 مختصرا