الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: قدر كم يعطى من الزكاة والصدقة ومن أعطى شاة

          ░31▒ (باب: قَدْر كَم يُعْطَى مِنَ الزَّكاة والصَّدقة...) إلى آخره
          كتبَ الشَّيخ في «اللَّامع»: إنَّ ما قاله بعض العلماء مِنْ ألَّا(1) يزيد على قدر نصاب في إعطاء فقير واحد، فإنَّما مرادهم بذلك ما هو الأَولى ولا ينفُون الجواز. انتهى.
          وفي «هامشه»: قال الحافظ: قال ابن المنيِّر: عطف الصَّدقة على الزَّكاة مِنْ عطفِ العامِّ على الخاصِّ، وأشار بذلك إلى الرَّدِّ على مَنْ كره أن يدفع إلى شخص واحد قدر النِّصاب وهو محكيٌّ عن أبي حنيفة، وقال محمَّد: لا بأس به(2). انتهى.
          وتعقَّبه العَينيُّ فقال: ليت شعري كم مِنْ ليلةٍ سَهِرَ هذا القائلُ حتَّى سطَّر هذا الكلام الَّذِي تمجُّه الأسماع، وكيف يدلُّ ذلك على الرَّدِّ على أبي حنيفة(3)؟! انتهى.
          ولم أتحصَّل أنا أيضًا بعد أنَّه كيف يكون هذا ردًّا على مَنْ يَكره إعطاء قدر النِّصاب لواحد، فإنَّ العطيَّة الواردة في الحديث هي شاة واحدة وهي ليست بنصاب.
          والأَوجَهُ عندي أنَّ الإمام البخاريَّ لم يشر إلى الرَّدِّ أصلًا، بل أشار بالسُّؤال _بقوله (قدر كم يعطي(4))_ إلى هذا الاختلاف الواقع فيما بين الأئمَّة، فمذهب الحنفيَّة في ذلك ما في «الدُّرِّ المختار»: وكره إعطاء فقير نصابًا أو أكثر إلَّا إذا كان المدفوع إليه مديونًا، أو كان صاحب عيال، بحيث لو فرَّقه عليهم لا يخصُّ كلًّا أو لا يفْضُلُ بعد دَيْنِه نِصَاب. انتهى.
          وقالَ الموفَّق: والمذهب أنَّه لا يُدفَع إليه زيادةٌ على ما يحصل به الغنى، وهذا قول الثَّوريِّ ومالك والشَّافعيِّ. وقال أصحاب الرَّأي: يُعطى ألفًا أو أكثر إذا كان محتاجًا إليها، ويكره أن يزاد على المئتين، ولنا أنَّ الغنى لو كان سابقًا مَنَع، فيمنع إذا قارن كالجمع بين الأختين في النِّكاح.(5). انتهى.
          وقال أيضًا: المرادُ بالغنى المانعُ مِنْ أخذ الزَّكاة، واختَلف العلماء فيه / وعن أحمد فيه روايتان، أظهرهما أنَّه مِلْك خمسين درهمًا، أو قيمتها مِنَ الذَّهب أو وجود ما تحصل به الكفاية على الدَّوام مِنْ كسب أو تجارة أو نحوهما، فإذا لم يكن محتاجًا حرمت عليه الصَّدقة، وإن لم يملك شيئًا، وإن كان محتاجًا حلَّت له الصَّدقة وإن مَلَك نصابًا، وهو قول مالكٍ والشَّافعيِّ، وقال أصحاب الرَّأي: الغنى الموجب للزَّكاة هو المانع مِنْ أخذِها، وهو مِلْك النِّصاب. انتهى مُختصرًا مِنْ عدَّة مواضع.
          وقالَ السِّنْديُّ: قوله: (باب: قَدْر كم...) إلى آخره، كثيرًا ما يذكر المصنِّف في التَّرجمة أشياء ويستخرج لها أحاديث، فربَّما لا يتيسَّر له استخراج الأحاديث إلَّا لبعضها ولعلَّ هذا الباب مِنْ هذا القَبيل، فإنَّ الحديث الَّذِي ذكره لا يوافق إلَّا الجزء الأخير مِنَ التَّرجمة وهو: ((مَنْ أعطى شاةً)) وربَّما يقال: إنَّه اكتفى في الجزء الأوَّل بأنَّه ما ورد في الشَّرع للقدر حدٌّ، ونبَّه عليه بعدم ذكر حديث له، والأصل عدم التَّحديد في ذلك إلَّا بالشَّرع، فإذا لم يَرِد في الشَّرع فالوجه القول بالإطلاق(6). انتهى مُخْتصرًا مِنْ «هامش اللَّامع».


[1] في (المطبوع): ((أنه لا)).
[2] فتح الباري:3/309 مختصرا
[3] عمدة القاري:8/312
[4] في (المطبوع): ((يعطَى)).
[5] المغني لابن قدامة:2/500
[6] حاشية السِّنْديِّ:1/173