تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم

حديث: منعت العراق درهمها وقفيزها ومنعت الشام

          2677- (مَنَعَتِ العِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيْزَهَا، وَمَنَعَتِ الشَّامُ مُدَّيْهَا وَدِيْنَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إرْدُبَّها ودِيْنَارَهَا، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ) هذا نصُّ الحديثِ كقولهِ تَعالى: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُوْدُوْنَ} [الأعراف:29] وفي هذا إخبارٌ منه ◙ بما لم يكنْ وهو في علمِ الله سبحانَهُ أمرٌ كائنٌ، فخرجَ لفظُهُ على لفظِ الماضي تَحقيقاً لكونِهِ، وفي إعلامِهِ ◙ به قبلَ وُقُوْعِهِ دليلٌ من دلائلِ نُبُوَّتِهِ، قالوا: وفيهِ أيضاً دليلٌ على رِضَاهُ من عُمرَ بما وظَّفَهُ على الكفرَةِ في الأمصارِ من الجِّزْيَةِ ومقدارَها. /
          وفي تفسيرِ المنعِ وجهانِ: أحدُهُمَا: أنَّ النبيَّ صلعم أعلمَ أنَّهم سَيُسْلِمونَ، وسَيَسْقُطُ ما وُظِّفَ عليهم بإسلامهم، فصاروا مانعينَ بإسلامهمِ ما وُظِّفَ عليهم، واستُدِلَّ على ذلكَ بقولهِ: «وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ» لأنَّ بَدْأَهُم في علمِ الله وفي ما قَضى وقدَّرَ أنهم سيُسْلِمونَ، فعادوا من حيثُ بدأوا، وقيلَ في قولهِ: «مَنَعَتِ العِرَاقُ دِرْهَمَهَا» الحديثُ: أنهم يرجعونَ عن الطاعةِ وهذا وجهٌ، وقد اسْتَحْسَنَ الأوَّلَ بعضُ العلماءِ، وكان يكونُ هذا لولا الحديُث الواردُ الذي أفصحَ فيه برجوعِهم عن الطَّاعَةِ، أخرجهُ البُخاريُّ من حديثِ سعيدِ بن عمرٍو عن أبي هريرةَ قالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَمْ يَجْبُوْا(1) دِينَاراً وَلاَ دِرْهَماً؟ فَقِيلَ: وَكَيْفَ تَرَى ذَلِكَ كَائِناً؟ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ، عَنْ قَوْلِ الصَّادِقِ المَصْدُوقِ، قَالُوا: عَمَّ ذَاكَ؟ قَالَ: «تُنْتَهَكُ ذِمَّةُ اللهِ، وَذِمَّةُ رَسُولِهَ، فَيَشُدُّ اللهُ ╡ قُلُوبَ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَيَمْنَعُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ».
          (المُدْي): مِكْيَالٌ لأهلِ الشامِ يَسَعُ خمسةً وأربعينَ رطلاً.
          (وَالقَفيْزُ) لأهلِ العراقِ ثمانيةُ مكاكِيْكَ، والمكُّوْكُ: صاعٌ ونصفٌ.
          (وَالإِرْدَبُّ) لأهلِ مصرَ أربعةٌ وستونَ مَنّاً بمَنَا بلادِ العَجَمِ.


[1] في صحيح البخاري: لم تجتبوا، بدل لم تجبوا. [خ¦3180].