تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم

حديث: هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة

          2660- (هَلْ تُضَارُّوْنَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ) من رواهُ بالتخفيفِ فهو من الضَّيرِ؛ أي لا يُخالفُ بعضُكُمْ بَعضاً فيُكذبُهُ، ولا تَنازَعونَ، يُقالُ: ضارَّهُ مُضَارَّةً، إذا خالفَهُ، ويُقالُ: ضارَّهُ يُضِيْرُهُ، وأهلُ العاليةِ يقولونَ: يَضُوْرُهُ، وقيلَ: لا تُضارُّوْنَ؛ أي لا تُضَايَقُوْنَ، والمُضَارَّةُ المُضَايَقَةُ، والضَّرَرُ الضِّيقُ، ورُوِيَ: «لَا تُضَامُّوْنَ فِي رُؤْيَتِهِ» أي لا يَنضمُّ بعضُكُم إلى بعضٍ في وقتِ النظرِ لإشكالِهِ وخفائِهِ، بل هوَ أظهرُ من ذلكَ، ورُوِيَ: «لا تُضَامُوْنَ» بالتخفيفِ؛ أي لا يَنَالُكُمْ ضَيْمٌ في رؤيتهِ، فيراهُ بعضٌ دونَ بعضٍ بل يَسْتَوُوْنَ في الرؤيةِ. وقالَ ابن الأنباريِّ: أي لا يقعُ لكم في الرؤيةِ ضَيْمٌ، وهو الذُّلُّ والصَّغَارُ، وهو من الفعلِ تفعلونَ تضيَمُون، فأُلقيَتْ فتحةُ الياءِ على الضادِ، فصارت الياءُ ألفاً؛ لانفتاحِ ما قبلَها، وأما قوله: لَا تُضَارُّوْنَ: فيجوزُ أن يكونَ على معنى لا تُضَارْرُوْنَ بعضَكُم؛ أي لا تُخَالِفُوْنَهُمْ ولا تجادلونَهم في صحةِ النظرِ، بتسكينِ الراء الأولى وتُدْغَمُ في التي بعدَها، ويُحذَفُ المفعولُ لبيانِ معناهُ، ويجوز لا تُضَارُّوْنَ؛ أي لا تَنَازَعونَ، وقالَ ابن عَرَفَةَ: أي لا تتجادلونَ فتكونونَ أحزاباً مُتَضَادَّةً.
          (وَالظَّهِيْرَةُ) وقتُ اشتدادِ الحرِّ من وسطِ النَّهارِ، ويُقالُ: قد أَظْهَرْنَا؛ أي صِرْنَا في وقتِ الظُّهْرِ.
          (أَيْ فُلُ) ترخيمُ فلانٍ في النداءِ.
          (أَلَمْ أُسَوِّدْكَ) ألم أجعلكَ سيداً، والسيدُ الذي يفوقُ قومَهُ في الخيرِ، ويَنقادونَ له في الأمرِ، وسيِّدُ المرأةِ بعلُهَا / لطاعَتِهَا إيَّاهُ وانقيادِهَا لهُ.
          (وَأَذَرُكَ تَرْبَعُ وَتَرْأَسُ) كذا رواهُ بعضُ أصحابِ الغريبِ بالباءِ المعجمَةِ بواحدةٍ وفسَّرَهُ على هذا فقالَ أن تأخذَ المِرْبَاعَ، وهو ما كانَ يأخذُهُ الرئيسُ من الغنيمةِ فمعناهُ: الانبساطُ والتَّنَعُّمُ والأكلُ والتصرفُ بِسَعَةٍ وأمنٍ لا مانعَ فيه، وأصلهُ في المرعى، يُقالُ: رَبِعَتِ الإبلُ وأَرْتَعَها صاحبُها، إذا كانت في موضعٍ مُخصِبٍ لا تَعدمُ فيه ما تريدهُ من الانبساطِ والتَّنَعُّمِ.
          وفي حديثٍ آخر: «وَذَلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ» أي لتقومَ الحجَّةُ عليه بشهادةِ أعضائهِ عليهِ، يُقالُ: أَعُذْرُ فلانٍ من نفسِهِ؟ إذا أُتي من نفسِهِ كأنها هي التي قامتْ بِعُذْرِ من لامَها، ومن ذلكَ قولهُ: لَنْ يَهلِكَ الناسُ حتى يُعذِروا من أنفسِهم؛ أي حتى تكثُر ذنوبُهم وعيوبُهم فتقومَ الحُجَّةُ عليهم، ويكونَ العذرُ واضحاً لمن يُعَاقِبُهُمْ.