تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم

حديث: هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس

          2228- (المِرَاءُ وَالمُمَارَاةُ) الجِدالُ، والمراءُ أيضاً من الامتِراءِ وهو الشَّكُّ، قالَ ابنُ الأنباريِّ: وأصلهُ في اللغة الجدالُ، وهو استخراجُ الرجلِ من مُناظرِهِ كلاماً ومعانيَ من خصومةٍ أو غيرها، من قولِكَ: مرأتُ الشَّاةَ: أي حَلَبْتُهَا واستخرجتُ لبنَها، فمن روى تَمَارُوْنَ، جعلهُ من المراءِ، أي هل يخالفُ بعضَكم بعضاً في القمرِ ليلةَ البدرِ، ومن روى: تَمَارُوْنَ بمعنى يَتَمَارُوْنَ، فيكونُ بمعنى تشكُّونَ في ذلكَ. /
          (الطَّاغُوْتُ) الصَّنَمُ، وقالَ أبو حاتِمٍ: العربُ تجعلُ الطَّاغُوْتَ واحداً وجَمعاً، وفي التنزيلِ في التأنيثِ {اجْتَنَبُوْا الطَّاغُوْتَ أَنْ يَعْبُدُوْهَا} [الزمر:17]، وفي التَّذكيرِ: {وَقَدْ أُمِرُوْا أَنْ يَكْفُرُوْا بِهِ} [النساء:60] وجمعهُ طواغيتٌ، وفي الحديثِ الصَّحيحِ: «وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الطَّوَاغِيْتَ» وكلُّ متجاوزِ الحَدِّ في عصيانِهِ أو العِصْيَانُ به إذا جاوزَ ما جرتْ العادةُ بهِ فإنَّهُ يُسَمَّى باسمِ مأخوذٍ من الطُّغْيَانِ، يُقالُ: طغى طُغْيَاناً فهو طاغٍ، ويُقالُ: طَغَى السَّيْلُ: إذا جاءَ بماءٍ كثيرٍ تجاوَز ما جرَتْ العادةُ به، وطَغَى البَحْرُ: هاجَتْ أمواجُهُ كذلكَ، وطَغَى الدَّمُ: تَبَيَّغَ وثارَ، وقالَ الخليلُ: الطُّغْوَانِ والطَّغْوَانِ أيضاً لغةٌ، والفعلُ طغَيْتُ وطَغَوْتُ، ومن ذلكَ قولهُ: {فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ} [الحاقة:5] بالذنوبِ العظيمةِ التي تجاوزَ الحدَّ فيها، وأفرطوا في المبالغَةِ بها و{كَذَّبَتْ ثَمُوْدُ بِطَغْوَاهَا} [الشمس:11] أي بِظُلْمِهَا المفرِط.
          (الصِّرَاطُ) الطَّريقُ.
          (وَيُضرَبُ الصِّرِاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَي جَهَنَّمَ) أي على وسطِهَا، يُقالُ: نزلَ بين ظهرَيْهِمْ وظهرانَيْهِمْ بفتحِ النونِ، أي نزلَ في وَسَطِهِمْ ومُتَمَكِّناً بينهم لا في أطرافِهم، ولا يُقالُ: ظَهْرَانِيْهِمْ بكسر النون أصلاً.
          (الكَلَالِيْبُ) جمع كَلُّوْبٍ، وهو محدَّدُ الطَّرَفِ، كالشَّوكِ الذي شُبِّهَ بهِ.
          (وَالخَطْفُ) الاستِلابُ وأخذُ الشيءِ بسرعةٍ لا فترةَ مَعَهَا، يُقالُ: خطفَهُ واخْتَطَفَهُ.
          فمِنهُم مَن يُوْبَقُ بعملِهِ: أي يهلكُ، وقالَ ابنُ عَرَفَةَ: يُحْبَسُ، قالَ: يُقالُ أَوْبَقَهُ إذا حَبَسَهُ، قالَ اللهُ تعالى: {أَوْ يُوْبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوْا} [الشورى:34] أي يحبسَ السُّفُنَ فلا تجري عُقُوْبَةً بذنوبِهم.
          (وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ ثَمَّ يَنْجُو) المُخَرْدَلُ: المَصْرُوْعُ المرميُّ المنقطعُ، يُقالُ: لحمٌ خَرَادِيْلُ إذا كان قِطَعاً، المعنى أنه تُقطِّعُهُ كلاليبُ الصراطِ، حتى يكادَ أن يهويَ إلى النارِ، وأصل الخردلةِ التفريقُ والتقطيعُ.
          (امْتُحِشُوْا) أي احتَرقُوْا، يُقالُ: امتُحِشَ الخُبزُ أُحرِقَ، / وقيلَ: المَحشُ: ما يتناولُهم من اللهبِ، فيُحرقُ الجلدَ ويُبدي العظمَ، حكاهُ الهرويُّ وغيرُهُ.
          (مَاءُ الحَيَاةِ) التي نحيا بها حياةً أبديةً لا موتَ معها، ويُقالُ: إنه عينٌ في الجنةِ.
          (الحِبَّةُ) بذورُ البقولِ التي لا تكادُ تُعْرَفُ أنواعُها، قالَ أبو عمرٍو: هو نبتٌ ينبتُ في الحشيشِ صغيرٌ، وقالَ الكِسائيُّ: حَبُّ الرياحينِ الواحدةُ حِبَّةٌ، فأما الحنطَةُ ونحوه، فالحَب بفتح الحاء لا غير، وقال النضرُ بن شُمَيْلٍ: الحِبَّةُ اسم جامعٌ لحبوبِ البُقُوْلِ التي تنتثرُ إذا هاجَتْ، ثم إذا مطرَتْ من قابلٍ نَبَتَتْ.
          (حَمِيْلُ السَّيْلِ) هو كلُّ ما حملَهُ السَّيْلُ، وكلُّ محمولٍ فهو حَمِيْلٌ، فعيلٌ بمعنى مفعولٍ، كما يُقالُ: قَتِيْلٌ بمعنى مقتولٍ، ويُقالُ: حَمِيْلُ السَّيْلِ كُلُّ مَا حَمَلَهُ السيلُ من طينٍ أو غُثاءٍ، فإذا اتفقَ فيه الحِبَّةُ واستقرتْ على شطِّ مجرى السيلِ نَبَتَتْ في يومٍ وليلةٍ، وهي أسرعُ نابتةٍ نباتاً، وإنما أُخْبِرَ بسرعَةِ نباتِهم وتعجيلِ خلاصِهِمْ، وقربِ رجوعِ نَضَارَتِهِمْ.
          (قَشَبَنِي رِيْحُهَا) أي اشتدَّ بي ألمُهَا، وخِفْتُ الهلاكَ بِلَهَبِهَا، والقِشْبُ: السمُّ المُهْلِكُ، وكلُّ مَسْمُوْمٍ قشيبٌ ومَقْشَبٌ، وكلُّ ما أفرطَ استكراهه قَشْبٌ، ومنه قولُ عمرَ: قَشَبَكَ المَالُ، أي ذهبَ بعقلِكَ وغيَّر حالَكَ.
          (وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا) أي اشتعالُها وإفراطُ حرِّها.
          (البَهْجَةُ) الحسنُ، ومنه: {حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ} [النمل:60] أي ذاتُ حسنٍ.
          (زَهْرَةُ كُلِّ شَيءٍ) حُسنُهُ، وزهرةُ الدُّنيا جمالُها و زينتُها.
          (والنَّضْرَةُ وَالنَّضَارَةُ) النَّعْمَةُ والحُسْنُ والرَّونَقُ {وُجُوْهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة:22] أي ناعمةٌ.
          (الحَبْرَةُ) الفرحُ والسُّرورُ.
          (انْفَهَقَتْ لَهُ الجَّنَّةُ) انفتحَت واتَّسعَت، وانكشفَ له ما فيها.