تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم

حديث: نهى رسول الله أن يبيع حاضرٌ لباد

          2218- (النَّجْشُ) أن تزيدَ في ثمنِ المبيعِ لينظرَ إليكَ الناظرُ، فيغترَّ بك ويزيدُهُ، / وقالَ ابنُ الأنباريِّ: لا يَمْدَحُ أحدُكم السِّلعةَ ولايزدْ في ثَمَنِهَا وهو لا يريدُ شراءَها ليسمعَهُ غيرُهُ فيزيدَ، وأصلُ النَّجشِ تنفيرُ الناسِ عن الشيءِ إلى غيرِهِ، والأصلُ فيه تنفيرُ الوحشِ من مكانٍ إلى مكانٍ ليُؤخذَ منهُ، ويُقالُ: رجلٌ ناجشٌ وهو الذي يحوشُ الصيدَ، ونَجَشْتُ أثرتُهُ، ونجَشَ الإبلُ ينجُشُهَا نجْشاً إذا جمعَهَا بعد تفرُّقٍ، وذلكَ كله من بابِ الحيلةِ والخديعَةِ، والتَّنَاجُشُ تفاعلٌ من ذلك.
          (لَا تَسْأَلِ المَرْأَةُ طَلاقَ أُخْتِهَا لِتَكْفَأَ مَا فِي إِنَائِهَا) ورُوِيَ تَكْتَفِىءُ تفتعِلُ، من كفأتُ الإناءَ(1) أَكفأُه، إذا كببتَهُ لتفرِغَ ما فيهِ، وهذا مَثلٌ لاستمالةِ الضرة حقَّ صاحِبَتِهَا من زوجِهَا إلى نَفْسِهَا، وسَعْيِهَا في إفسادِ حَظِّهَا منهُ، وقال الكِسائيُّ: كفأتُ الإناءَ(2) أكببتُهُ، وأكفأتُهُ إذا أملتَهُ، ومنه الحديثُ في صفتهِ صلعم «كَانَ إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ» أي تمايلَ إلى قُدَّامٍ، كما تَتَكَفَّأُ السفينةُ في جَرْيِهَا، والأصلُ فيه الهمزُ ثم تُرِكَ، وفي ((المجمل)) كَفَأتُ الإناء وأكفَأْتَ الشيء لوَجْهِهِ أي قلبتُهُ، قال ابنُ السِّكِّيْتِ: بلا ألفٍ، وكذلكَ قوله: (لِتَسْتَفْرِغَ صَحفَتها) أي؛ لِتَسْتَوْليَ على حظِّ صاحِبَتها، فاستعارَ الصَّحْفَةَ لذلك.
          (الاسْتِيَامُ فِي البَيْعِ) أن يطلبَ بسلعتِهِ ثمناً أو أن يبذُلَ المُشتري فيها ثَمناً، يُقالُ: استامَ يَسْتَامُ، وَسَامَ يَسُوْمُ سَوْماً واسْتِيَاماً، وبعضُ الفقهاءِ يفسِّرُهُ بأن المتبايعَينَ إذا تَقَارَبَا في البيعِ لم يجُزْ لآخرَ أن يُسَاوِمَ فيفسدَ ما رَامَا أن يَعْقِدَاهُ، قالَ: وإنَّما يُبَاحُ ذلكَ إذا تركَ المساومةَ، أو لم يتقاربْ تمامُ البيعِ.
          (نَهَى أَنْ يُتَلَقَّى الجَّلَبُ) يُقالُ: جَلَبْتُ الشيءَ جلْباً وجَلَباً، حملتُهُ من مكانٍ إلى مكانٍ، معناهُ أن ما جُلِبَ من بلدٍ إلى بلدٍ من المتاعِ فلا يُسْتَقْبَلُ الجالبونَ له قبل وصولهم ليُبْتَاعَ منهم، ويُخدَعوا فيه قبل أن يعرِفوا الأسعارَ. /


[1] في نسخة الأصل تشكيل الكلمة: كفأتُ الإناءِ، وهو خطأ لأنه مفعول به، فهو منصوب. [110 أ]
[2] في نسخة الأصل تشكيل الكلمة: كفأتُ الإناءِ، كالهامش الذي قبله، وهذا غريب.