تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم

حديث: أذنب عبد ذنباً فقال: اللهم اغفر لي

          2305- قولُهُ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي» قالَ قُطْرُبٌ_واسمهُ محمدُ بن المُسْتَنِيْرِ_: معناهُ اللَّهُمَّ غطِّ على ذنبي، قال: هو مأخوذٌ من قولِ العربِ: قد غفَرتُ المتاعَ في الوعاءِ، أَغْفِرُهُ غَفْراً إذا غَطَّيتَهُ، وقال أبو العبَّاسِ في قوله تعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} [الأحقاف:31] معناهُ يُغطي عليكم ذنوبَكُمْ، وإذا غطَّاهَا عليه لم يؤاخذْها بها، إذْ لو عاقبهُ بها كان كشفاً لا تغطيةً، / والعقوبةُ لا تخفى فهي ضدُّ التغطيةِ والسَّتْرِ، وقالَ الكِسَائِيُّ وغيرُهُ: (مِنْ) في هذا الموضعِ زائدةٌ، ذهبوا إلى أنها مُؤَكِّدَةٌ، والمعنى عندَهم يغفرُ لكم ذنوبَكُمْ، واحتجوا بقولهِ: {وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [محمد:15] أي كلُّ الثمراتِ، وبقولهِ تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30] أي يَغُضُّوْا أبصارَهم، وبقولهِ: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُوْنَ إِلَى الْخَيْرِ} [آل عمران:104] ولم يؤمروا بهذا بعضهمُ دونَ بعضٍ، وإنما المعنى: وكونوا كلكم أمةً تدعونَ إلى الخيرِ، وقالَ الفراءُ: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} [الأحقاف:31] أي يغفرُ لكم من إِذْنَابِكُمْ وعلى إِذْنَابِكُمْ؛ أي يغفرُ لكم من أجلِ وقوعِ الذنوبِ منكم، كما تقولُ: اشتكيتُ من دواءٍ شربتُهُ؛ أي من أجلِ دواءٍ شربْتُهُ، قال قُطْرُبٌ وغيره: ومن المغفرةِ قولهم: قد غفَرَ الرجلُ رأسَهُ بالمغفرِ؛ أي غطَّاهُ به، ويُقالُ: للبيضةِ التي تغطي بها الرأسَ الغِفَارَةُ، وقالَ الأصمعيُّ: معنى اغفِرْ لنا ذنوبَنا استُرْها عَلينا، ومنهُ قولهُم: اصبغْ ثوبَكَ فإنه أغْفَرُ للوسخِ؛ أي أسترُ للوسخِ وأَخْفَى؛ أي لا تَفضحنا بها ولا بِعِقَابِهَا.