تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم

حديث: والذي نفسي بيده! ليوشكن أن ينزل فيكم

          2177- (لَيُوْشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ ابْنُ مَرْيَمَ) بمعنى القُربِ والسُّرْعَةِ، يُقالُ: أوشكَ فلانٌ الخروجَ: أي استعجلَ، وأمرٌ وشيكٌ: أي قريبٌ، أوشكَ يُوْشِكُ، وقالَ ابن السِّكِّيْتِ: واشَكَ وِشَاكاً أسرعَ.
          (المُقْسِطُ) الحاكمُ بالعدلِ، والعَدْلُ اتِّباعُ أوامرِ اللهِ وآدابِهِ، يُقالُ: أقسطَ يُقسِطُ فهو مُقْسِطٌ، والقِسطُ والإقساطُ: العدلُ، قال تعالى: {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِيْنَ} [الحجرات:9] فأمَّا قسَطَ بغير ألفٍ فمعناهُ جارَ، يُقالُ قَسَطَ يَقْسِطُ فهو قَاسِطٌ، أي جَارَ، قال تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُوْنَ فَكَانُوْا لِجَهَنَّمَ حَطَبَا} [الجن:15] ولبعضِ قدماءِ الشُّعراءِ يذمُّ رجلاً بإتيانِ الجَوْرِ وأهلِهِ، والانحرافِ عن العدلِ وأهلهِ، من قِطعةٍ فيها:
          كَانَ بِالقَاسِطِيْنَ مَنّاً رَؤُوْفاً وَعَلَى المُقْسِطِيْنَ سُوْطَ عَذَابٍ
          (يَفِيْضُ المَالُ) أي يُعطي عطاءً كثيراً، يُقالُ: فَاضَ النهرُ: إذا اتَّسَعَ وانْبَسَطَ وكثُرَ ماؤهُ، وأفاضَ دُمُوْعَهُ: أجرَاها، وأرضٌ ذاتُ فُيُوْضٍ: إذا كثُرَ ماؤهَا، / وأعطيتُ فلاناً غَيْضاً من فَيْضٍ، أي قليلاً من كثيرٍ، ونَهَرُ البصرةِ وحدَهُ يُسَمَّى الفيضَ لسرعةِ اتِّساعِه ودوامِ كثرتِه بالمدِّ والجَّزْرِ الذي يُلقي اللهُ فيه، ومن ذلكَ قولهُم: ((أفاضَ القومُ)) في الحديثِ إذا انْدَفَعُوْا فيهِ وأكثروا منهُ، وأَفَاضَ النَّاسُ مِنْ عَرَفَةَ: إذا اندفَعوا منها، وأسرعوا في ذلكَ ودامُوْا عليه.
          (وَيَضَعُ الجِّزْيَةَ) تأوَّلهُ بعضُهم على أنه يُبطلُ الجزيةَ ولا يَبْقَى مُشْرِكٌ تُوضعُ الجزيةُ عليه، والآية تدلُّ على ذلكَ {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} [النساء:159].
          (وَالقَلُوْصُ) الأُنثى من الإبلِ، وقيل القَلوْصُ: الباقيةُ على السَّيرِ من النُّوْقِ، وفي هذا الخبرِ: «لَيُتْرَكَنَّ القِلاصُ فَلا يَسْعَى عَلَيْهَا أَحَدٌ» قيلَ: لعلَّهُ عنى ارتفاعَ الجهادِ وظهورَ الإسلامِ، وكسرَ الصَّليبِ وإيمانَ أهلِ الكتابِ.