تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم

حديث: إن ثلاثةً من بني إسرائيل أبرص وأقرع

          2306- (العِشَارُ مِنَ النُّوْقِ) الحواملُ التي في بطونِها أولادُها، الواحدةُ عَشْرَاءُ، وإذا وضعتْ لتمامِ سنةٍ من يومِ حملَتْ فهي عُشْرَاءُ، وهي أحسنُ ما تكونُ ولا يُعَطِّلُهَا أهلُها إلا في شدَّةِ القيامةِ، وقيل العشراءُ: التي أتى لحملِها تمامُ عشرةِ أشهرٍ، يُقالُ: قد عشَرتْ تَعْشُرُ، وقيلَ: العشارُ التي أتى على نتاجِها عشرةُ أشهرٍ من يومِ أُرْسِلَ فيها الفحلُ وزالَ عنها اسم المخاضِ.
          (شَاةٌ وَالدٌ) أي قد عُهِدَ منها كثرةُ الولدِ.
          (أَنْتَجَ هَذَانِ) أي قَبَلَ كلُّ واحدٍ منهما نتاجَ ما عندَهُ وافتقدَها عندِ الولادةِ، يُقالُ: نتجتِ الناقةُ أَنْتِجُهَا، والنَّاتِجُ للنوقِ كالقابلةِ للنساءِ.
          (وَوَلَّدَ هَذَا) أي فعلَ هذا في الشاءِ كفعلِ الآخرينَ في البقرِ والإبلِ من التربيةِ والرِّفقِ بالنِّتاجِ عند الولادةِ، والمُولِّدَةُ: القابلةُ، وقالت امرأةٌ من العربِ: أنا ولَّدتُ عامَّةَ أهلِ دِيَارِنَا / ورَبَّيْتُهُمْ، ويُقالُ: إنَّ في الإنجيلِ أنا ولَّدْتُكَ؛ أي رَبَّيْتُكَ.
          (حَتَّى كَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنَ الإِبِلِ وَلِهَذَا وَادٍ) أي ما يملأُ وادياً أو يَغْمُرُ وادياً، إشارةٌ إلى الكثرةِ والنَّماءِ.
          (انْقَطَعَتْ بِيَ الحِبَالُ فِي سَفَرِي) الحبْلُ: العهدُ والزِّمامُ والأمانُ والوسيلَةُ، وكلُّ ما نرجو منه فَرَجاً أو نستدفعُ به ضرراً فهو حبلٌ، وقد يُسَمَّى الحبلُ سبباً والسببُ حبلاً، قالَ تعالى: {فَأَتْبَعَ سَبَباً} [الكهف:85] أي عِلماً يتوصلُ به إلى حيثُ يُريدُ، ويُقالُ للطريقِ سببٌ، وللحبلِ الذي يُتَوَصَّلُ به إلى الماءِ سببٌ، وللبابِ سببٌ، ولِكُلِّ ما تُوْصَلُ به إلى ما يُبْعَدُ عنك سببٌ، فكأنه قالَ: انقطعتْ بيَ الأسبابُ التي كنت أرجو بها الوصولَ في سفرِي.
          (فَلا بَلاغَ لِيَ) أي لا وصولَ، والبلاغُ والبُلوغُ: الوصولِ إلى الغرضِ المقصودِ من دِينٍ أو دُنيا، وقد يكونُ الإشرافُ على الوُصولِ في قوله: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة:234] أي شارَفْنَ ذلكَ وقَرُبْنَ منه، أَتَبَلَّغُ به في سَفري؛ أي أَتوَصلُ وأكتفي به، والبُلْغَةُ الكِفَايَةُ ومِقدارُ الحاجةِ.
          يُقالُ: (وَرِثَ القومُ مَخَدَعَهم كابراً عن كابرٍ): أي كبيراً عن كبيرٍ في الشَّرَفِ والعزِّ والجَلالَةِ.
          (رَجُلٌ مِسْكِيْنٌ) قيل المسكينُ الذي أسكنَهُ الفقرُ؛ أي قلَّلَ حركتَهُ، مِفْعيلٌ من السكونِ، وقالَ ابنُ عرفةَ في قولهِ: {فَكَانَتْ لِمَسَاكِيْنَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف:79] إنَّما سمَّاهُم مساكينَ؛ لذُّلِهِمْ وقدرةِ الملكِ عَليهم، وضَعْفِهِمْ عن الانتصارِ منهُ والامتناعُ عنه، ومنه في حديثِ قَيْلَةَ: «صَدَقَتِ المَسْكِيْنَةُ» أرادَ معنى الضِّعفِ و لم يُرِدْ الفقرَ، وقولُهُ صلعم «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِيْناً، وَأَمِتْنِي مِسْكِيْناً، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِيْنِ» أي متواضعاً مُخْبِتاً غيرَ جَبَّارٍ ولا مُستكبرٍ، وقوله صلعم لقَيْلَةَ: «يَا مِسْكِيْنَةُ عَلَيْكِ السَّكِيْنَةُ» أي عليكِ الوقارُ والهدوءُ، وفي صفةِ المصلي تبأَسُ وتَمسْكَنُ؛ أي تذَلَّلَ / وتَخضَّعَ لله ╡. وقالَ القُتَبِيُّ: المَسْكَنَةُ مَفْعَلَةٌ من السكونِ، والقياسُ في فعلِهِ تَسَكَّنَ، كما يُقالُ: تَسَجَّعَ إلا أنه جاءَ هذا الحرفُ تَمفْعَلَ ومثله تَمَدْرَعَ من المدرعَةِ والأصلُ تَدَرَّعَ.
          (السَّبِيْلُ) الطريقُ، وابنُ السَّبِيْلِ: الضَّيْفُ المنقطعُ به الذي هو على طريقِهِ في سفرِه وقصدِهِ.
          (لَا أَجْهَدُكَ بِشَيءٍ أَخَذْتَهُ للهِ) أي لا أشقُّ عليكَ بالردِّ والامتنانِ.