تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم

حديث: لا عدوى ولا صفر، ولا هامة

          2257- (لَا عَدْوَى) هو أن يكونَ ببعيرٍ جَرَبٌ أو بإنسانٍ برصٌ أو جُذامٌ، فتُتَّقى مخالطَتُهُ ومؤاكلَتُهُ خوفاً من أن يَعْدُوْهُ ما بهِ إلى من يُخالطُهُ، أي يجاوزَهُ إليهِ ويتعلَّقَ بهِ، ويُقالُ: أعداهُ الداءُ، وقد أبطلَ الإسلامُ ذلكَ بقولهِ صلعم: «لَا عَدْوَى» والحكمُ للهِ وحدَه.
          (لَا صَفَرَ) يُقالُ: كانت العربُ ترى أنَّ في البطنِ حَيَّةً تُصيبُ الإنسانَ إذا جاعَ وتُؤْذِيْهِ، وذلك مذكورٌ في أشعارِهم، وقيل: إنَّ معنى ذلكَ تأخيرُهم تحريمَ المحرَّمِ إلى صفرَ، وفي ((المجمَلِ)) إنَّ الصَّفرَ دابةٌ في البطنِ تُصِيْبُ الماشيةَ والناسَ، يُقالُ: منها رَجُلٌ مَصْفُوْرٌ.
          (لَا هَامَةَ) قالَ أبو عُبِيْدٍ: كانتْ العربُ تقولُ: إنَّ عِظَامَ الموتى تصيُر هامةً فتطيرُ، و كانوا يُسَمُّوْنَ ذلكَ الطائرَ الذي زَعموا أنه يخرجُ من هامةِ الميِّتِ إذا بليَ: الصَّدى، وقالَ ابنُ الأعرابيِّ: كانُوا يَتَشَاءمُوْنَ بها، فجاءَ النصُّ بنفي ذلك، أي لا يَتَشاءَمُوا، ويُقالُ: أصبحَ فلانٌ هامةً إذا ماتَ، وكانوا يقولونَ: إنَّ القتيلَ تخرجُ من هامتِهِ هامَةٌ / فلا تزالُ تقولُ: اسْقُوْنِي اسْقُوْنِي حتى يُقْتَلَ قَاتِلُهُ، ويُقالُ أيضاً بالزاي ازقُوْني ازقُوْني.
          (رَطَنَ بِالحَبَشِيَّةِ) أي تكلَّمَ بها، وكلُّ كلامٍ لا تفهمُهُ العربُ من كلامِ العجَمِ تُسَمِّيْهِ رَطَانَةً.
          (وَالمِرَاءُ وَالمُمَارَاةِ) مصدرانِ، يُقالُ: مَارَاهُ يُمَارِيْهِ مُمَارَاةً ومِرَاءً، وهي المُرَاجَعَةُ والمُجَادَلةُ والمخالَفةُ.
          (النَّوْءُ) في الأصلِ النُّهوضُ، يُقالُ: ناءَ البعيرُ بحِملِهِ إذا نهضَ، وبذلكَ سُمِّيَ النَّوءُ من أنواءِ المطرِ؛ لأنه كأنَّهُ يَنْهَضُ بثِقَلٍ في رؤيةِ العينِ، وفي الخبرِ: لا نَوْءَ، وجمعهُ أنواءٌ، قالَ أبو عُبِيْدٍ: هي ثمانيةٌ وعشرونَ نجماً معروفةُ المطالعِ في أزمنةِ السنةِ، يسقطُ في كلِّ ثلاثَ عشرةَ ليلةً نجمٌ من المغربِ مع طلوعِ الفجر، ويطلُعُ آخَرُ يُقابلُهُ من ساعتهِ في المشرقِ، وانقضاءُ هذه الثمانيةِ والعشرينَ مع انقضاءِ السَّنَةِ، وكانتِ العربُ في جاهليَّتِهَا إذا سقطَ منها نجمٌ وطلعَ آخَرُ قالوا: لا بُدَّ أن يكونَ عندَ ذلكَ مطرٌ، ويَنْسِبُوْنَ كلَّ مطرٍ يكونُ عندَ ذلكَ إلى النجمِ، فيقولونَ: (مُطِرْنَا بنَوءِ كذا)، قالَ: وإنما سُمِّيَ نَوْءاً لأنه إذا سقطَ السَّاقِطُ منها بالمغربِ ناءَ الطالعُ بالمشرقِ، ينوءُ نَوءاً، وذلكَ النُّهوضُ هو النَّوء فسُمِّيَ النجمُ به، قالَ: وقد يكونُ النَّوءُ السُّقوطُ، قالَ غيرُهُ: لا تَسْتَنِيءُ العربُ بها كلَّها إنما تذكُرُ بالأنواء بعضَها، وقال ابن الأعرابي: لا يكون نَوءٌ حتى يكونَ معه مطرٌ وإلا فلا نوءَ، وإنما ورد التغليظُ في ذلك لأنَّ العربَ كانتْ تقولُ: إنَّما هو فِعلُ النَّجْمِ ولا يجعلُوْنَهُ سُقْيَا مِنَ الله ╡، وأما من قالَ: مُطِرْنَا بنَوءِ كذا، ولم يُرِدْ هذا المعنى، وإنما أرادَ: مُطِرْنا في هذا الوقتِ بفضلِ اللهِ ورحمةِ اللهِ فليسَ بمذمومٍ، وقد جاءَ عن عمرَ ☺ أَنَّهُ / اسْتُسْقَى بالناسِ ثم قال للعَبَّاسِ: كَمْ بَقِيَ مِنْ نَوْءِ الثُّرَيَا؟ فقالَ: إنَّ العلماءَ بها يزعمونَ أنها تعترضُ في الأفقِ سبعاً بعدَ وقوعِها، قالَ الرَّاوي: فوالله ما مضتْ تلكَ السَّبْعُ حتى غِيثَ الناسُ، فأرادَ عُمَرُ كم بقي من الوقتِ الذي جرتِ العادةُ أنه إذا تمَّ أتى الله بالمطرِ في الأغلبِ، حكى ذلكَ الهرويُّ.
          (الطِّيَرَةُ) التطيُّرُ من الشيءِ والتشاؤمُ به والكراهيةُ له، واشتقاقُهُ من الطَّيرِ كالغرابِ وما أشبهَهُ مما كانتْ العربُ تتشاءمُ بهِ، وترى أنَّ ذلكَ مانعٌ من الخيرِ فنَفَى الإسلامُ ذلكَ فقالَ: «وَلَا طِيَرَةَ» في جملةِ ما نَفَى، وفي الخبرِ: «وَخَيْرُهَا الفَأْلُ»، وأصلهُ الهمزِ ويُخفَّفِ، وكانَ الأزهريُّ يقولُ: الفألُ فيما يحسُنُ ظاهرُهُ، ويُرجى وقوعُه بالخيرِ ويَسُرُّ، والطِّيَرَةُ لا تكون إلا فيما يسوءُ ويسيءُ الظنَّ، وإنما أحبَّ النبيُّ صلعم الفألَ لأنَّ الناسَ إذا أمَّلُوْا فائدةً من الله ورجَوا عائدتَهُ عندَ كُلِّ سببٍ ضعيفٍ أو قويٍّ فَهُمْ على خيرٍ وإن لم يُدركوا ما أمَّلُوا، فقد أصابُوا في الرجاءِ لله وطلبِ ما عندهُ، ففي الرجاءِ لهم خيرٌ مستعجِلٌ، ألا ترى أنَّهم إذا قَطَعُوْا أملَهم ورجاءهم من اللهِ ╡ كان ذلكَ من الشرِّ؟ فأمَّا الطِّيرةُ فإنَّ فيها سوءُ الظنِّ، وقطعَ الرجاءِ وتوقُّعَ البلاءِ، وقيلَ: الفألُ أن يكونَ الإنسانُ مريضاً فيَسْمَعُ قائلاً يقولُ: يا سَالمُ، أو يكونُ طالباً ضالَّةً فيسمعُ من يقولُ: يا واجدُ، فيَقَعُ في ظنِّهِ أنه يبرأُ من مرضِهِ، أو يجدُ ضالَّتَهُ، ويتوقَّعُ صحةِ هذه البُشرى، ويَنْتَفِسُ نفَسُه بذلكَ الرجاءِ المتوقَّعِ وقوعُهُ؛ لأنَّهُ وقعَ من القائلِ على جهةِ الاتفاقِ، وقد جُمِعَ الفَأْلُ: فُؤُوْلٌ.