التوضيح لشرح الجامع البخاري

حديث: والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن.

          6643- الحَدِيْثُ السَّابِعَ عَشَرَ: حَدِيْثُ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} [الإخلاص:1] يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ الله صلعم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ ◙: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ).
          وهو ظاهرٌ فيما ترْجَمَ له مِن القَسَمِ المذكورِ. ومعنى: (يَتَقَالُّهَا) يستقلُّها، وزنُهُ مِن الفِعْلِ يَتَفَاعَلُها، مِن قلَّ الشَّيءُ يَقِلُّ قِلَّةً.
          وقَوْلُهُ: (إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ) يريدُ فِي الأجرِ لا أنَّها تَفْضُلُ شيئًا مِنه لذاتِها. وقال بعضُ الأصوليِّين: إنَّه يتفاضلُ ويكون بعضُه أبلغَ مِن بعضٍ، ويوجدُ فِي بعضِه مِن البراعةِ والبلاغةِ وحُسْنِ النَّظْمِ وجَودَةِ التَّرتيب مَا لا يُوجَدُ فِي بعضٍ، وثوابُ تلاوةِ بعضِهِ أفضلُ مِن بَعْضٍ، حسب مَا وَرَدَ السَّمْعُ فِي ذَلِكَ.
          ولا وجهَ مِن وجوهِ التَّفاضلِ إِلَّا وهو فِي القُرآن الَّذِي هُوَ التَّلاوةُ والقراءةُ، وإنَّما يَسمَعُ بعضُ النَّاسِ مِن إطلاقِنا أَنَّ القُرآنَ لا يتفاضلُ، ونعني بِذَلِكَ القُرآنَ الَّذِي ليس بمخلوقٍ، وهَو الكلامُ الموجودُ بِذَات اللهِ الَّذِي هُوَ شيءٌ واحدٌ لا ينقسِمُ ولا يتجزَّأُ، فيظنُّ سامعٌ أنَّا نقولُ ذَلِكَ فِي التِّلاوةِ والقراءةِ الَّتِي هي أصواتٌ مُتَقَطِّعةٌ وحروفٌ منظومةٌ، وهي مخلوقةٌ مِثْلُ سائرِ المخلوقات، ولها أبعاضٌ تتماثلُ وتتفاضلُ، فهذا موضعٌ يحتاجُ إِلَى تأمُّلِ مَا قلناه والتَّفرقةِ بين التِّلاوةِ والمتلوِّ، والقراءةِ والمقروء.
          وقيل: إِنَّمَا فُضِّلتْ هذه السُّورةُ _أعني سورةَ الإخلاص_ لاشتمالِها عَلَى التَّوحيد لا غير. وقيل: إِنَّمَا كَانَت ثُلُثًا لأنَّ القُرآنَ يشتملُ عَلَى إخلاصٍ واستقامةٍ وقَصَصٍ، وهذه مشتملةٌ عَلى الإخلاصِ وهذه ثُلُثُ هذه المسمَّيَاتِ / فكان لقارئِها ثُلُثُ أجْرِ قراءةِ القُرآن كلِّه. وقيل: يشتمل القُرآن عَلَى قَصَصٍ وأحكامٍ وأوصافٍ لله، وهي تشتملُ عَلَى الصِّفاتِ وهي الثُّلُثُ. وقيل: معنى: (ثُلُثَ القُرْآنِ) لِشخصٍ بعينِه. وقيل: إنَّ الله تعالى يتفضَّل بتضعيفِ الثَّوابِ لقارئها إِلَى مقدارِ مَا يستَحِقُّهُ قارئُ ثُلُثِ القُرآنِ مِن غيرِ تضعيفِ أَجْرِهِ.