التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: هل يدخل في الأيمان والنذور الأرض والغنم والزروع والأمتعة

          ░33▒ بَابٌ هَلْ يَدْخُلُ فِي الأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ الأرْضُ وَالْغَنَمُ وَالزَّرُعُ وَالأمْتِعَةُ.
          وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ ☻: قَالَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صلعم: أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ مِنْهُ، قَالَ: (إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا).
          وَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِلنَّبِيِّ صلعم: أَحَبُّ أَمْوَالي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ لِحَائِطٍ لَهُ مُسْتَقْبِلَةِ الْمَسْجِدِ.
          وهذان التَّعليقان أسندهما فِي كتاب الوَقْف كما سلف [خ¦2772] [خ¦2769].
          6707- ثمَّ ساق حَدِيْثَ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺: (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلعم يَوْمَ خَيْبَرَ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً إِلَّا الْأَمْوَالَ وَالثِّيَابَ / وَالْمَتَاعَ، فَأَهْدَى رَجُلٌ مِنْ بَنِي الضُّبَيْبِ _يُقَالُ لَهُ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ_ غُلَامًا لِرَسُولِ اللهِ صلعم يُقَالُ لَهُ: مِدْعَمٌ) الحَدِيْثَ. وقد سلفَ بطولِه [خ¦4234].
          وأراد البُخَاريُّ _كما قال المهلَّبُ_ أنْ يبيِّنَ أنَّ المالَ يقع عَلى كلِّ مُتملَّكٍ، أَلَا ترى قولَ عُمَرَ ☺: (أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ مِنْهُ) وَقولَ أبي طَلْحَةَ: (أَحَبُّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ) وهم القُدوة في الفَصاحةِ ومعرفةِ لسانِ العرب، وأقرَّهما الشَّارع عَلَى ذَلِكَ.
          وأمَّا قوله في حديث أبي هُرْيرةَ: (فَلَمْ نَغْنَمْ...) إلى آخره، فقد اختلفت الرِّوايةُ في ذلك عَن مالكٍ، فروى ابنُ القاسم مِثْلَ روايةِ البُخاريِّ، ورَوى يَحيى بنُ يحيى وجماعةٌ عن مالكٍ: إلَّا الأموالَ والمتاعَ مِن الثِّيابِ. وإنَّما تُخرَّج هذه الرِّواية على لغةِ دَوْسٍ قَبِيلِ أبي هُريرَةَ، فإنَّها لا تُسمِّي العينَ مالًا، وإنَّما الأموالُ عندَهم العُرُوضُ والنَّباتُ، وعند غيرِهم المالُ الصَّامتُ مِن الذَّهبِ والفِضَّة خاصَّةً، والمعروفُ مِن كلام العرب أنَّ كلَّ ما يُموَّل ويُملَكُ فهو مالٌ.
          وإنَّما أراد البُخَاريُّ _والله أعلمُ_ الرَّدَّ على أبي حنيفَةَ فإنَّه يقول: إنَّ مَن حلَفَ أو نذَرَ أنْ يتصدَّقَ بمالِه كلِّه فإنَّه لا يقع يمينُه ونَذْرُه مِن الأموالِ إلَّا على ما فيه الزَّكاةُ خاصَّةً، وعند مالكٍ ومَن تَبِعَهُ: تقَعُ يمينُه على جميع ما يقع عليه اسمُ مالٍ. قال ابنُ بطَّالٍ: وأحاديثُ هذا البابِ تَشْهَدُ له وَهو الصَّحيحُ.
          قال ابنُ سِيدَه فِي «العويص»: العربُ لا تُوقِع اسمَ المالِ مُطلقًا إِلَّا عَلَى الإبلِ وَذَلِكَ لِشَرَفِها عندَهم وكثرةِ غَنَائِها، قَالَ: وربَّما أوقعوهُ عَلَى أنواعِ المواشي كلِّها.
          وحكى الْمُطَرِّزُ أَنَّ المالَ هُوَ الصَّامتُ _كالذَّهب والفِضَّة_ والنَّاطقُ، وحكى القالي عن ثعلبٍ أنَّه قَالَ: المالُ عند العرب أقلُّه مَا يجبُ فِيْهِ الزَّكاةُ وما نقَصَ مِن ذَلِكَ فلا يُقال له مالٌ، ومنهم مَن أوقعه عَلَى جميعِ ما يملكهُ الإنسانُ وَهو الظَّاهرُ لِقولِه تَعَالَى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء:5] فلم يخصَّ شيئًا دونَ شيءٍ، حكى هَذَا ابنُ السيِّد وغيرُه وهو اختيار كثيرٍ مِن المتأخِّرين.
          فَصْلٌ: جاء فِي حَدِيْثِ أبي طَلْحةَ أنَّه ◙ قال له: ((اجعلها فِي فقراء أقارِبِكَ)) قال أنسٌ: فجعلَها أبو طَلْحةَ لحسَّانَ وأُبَيِّ بن كعْبٍ، وكانا أقربَ إليه منِّي.
          فَصْلٌ: و(بَيْرُحَاءُ) فِيْهِ أوجهٌ سلفتْ فِي بابِها، قال بعضُهم: وقع مبنيًّا عَلَى فتْحِ الرَّاء كأنَّه مركَّبٌ مثل سِيبَوَيْه وبَعْلَبَكَّ.
          فَصْلٌ: فِيهِ جوازُ إعطاءِ الفقير فوقَ النِّصابِ لأنَّ نِصفَ الحائطِ أكثرُ مِن نصابٍ، وَهو قولٌ فِي مذهب مالكٍ.
          قال أبو عبد الملك: وفيه أَنَّ مَن تصدَّق بشيءٍ مِن مالِه تعيَّن أنَّه يلزمُهُ وإنْ كَانَ أكثرَ مِن ثُلُثِهِ، وَهو مشهورُ مذهب مالكٍ، وَفي «النَّوادر» عَن ابنِ نافِعٍ: يجزئه الثُّلُث، وَفيما ذكره نظرٌ لأنَّه قَالَ: كَانَ أبو طَلْحَةَ أكثر أنصاريٍّ بالمدينة مالًا مِن نخلٍ. فالظَّاهر أَنَّ هَذَا يسيرٌ فِي جَنْبِ مالِه.
          فَصْلٌ: (الشَّمْلَةَ) فِي قِصَّة مِدْعَمٍ: كِساءٌ يُشتمَلُ به.