التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: قول النبي: وايم الله

          ░2▒ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلعم:(وَايْمُ الله).
          6627- ذَكَرَ فِيْهِ حَدِيْثَ ابْنِ عُمَرَ ☻: بَعَثَ رَسُوْلُ الله صلعم بَعْثًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمْرَتِهِ، فَقَامَ رَسُوْل الله صلعم فَقَالَ: (إِنْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمْرَتِهِ، فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمْرَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللهِ، إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ).
          هَذَا الحَدِيْثُ سلفَ [خ¦3730] [خ¦4469].
          واختلفَ العلماء بلسانِ العَرب في معنى: (ايْمُ اللهِ) فقال الزَّجَّاجُ: ايْمُ الله وايْمُن الله ومُن الله، كلُّ هذه لغاتٌ فيها، واشتقاقُها عند سِيبَوَيْه مِن اليُمْنِ والبَرَكَةِ، وألِفُها عندَه أَلِفُ وَصْلٍ، واستدلَّ على ذلك بقولِ بعضهم: اِيْمُن اللهِ بكسْرِ الألِفِ، ولو كانت أَلِفَ قطعٍ لم تُكسَرْ، وسقوطِها مع لامِ الابتداءِ، قال الشَّاعر:
وقالَ فَرِيقٌ لَيْمُنُ اللهِ ما نَدْرِي
          وإنَّما التَّقدير: ايْمُنُ الله، وهَذَا مذهبُ أكثرِ النَّحْويِّين، ولم يَجِئْ فِي الأسماءِ ألِفُ وصلٍ مفتوحةٌ غيرَها، وقَد تدخُل عليها اللَّامُ لتأكيدِ الابتداءِ، تقول: لَيْمُنُ اللهِ، تذهَبُ الألِفُ فِي الوصلِ، وهو مرفوعٌ بالابتداء وخبرُه محذوفٌ تقديرُه: ايْمُنُ اللهِ مَا أُقسِمُ به.
          وقال الفرَّاءُ وابنُ كَيْسانَ وابنُ دَرَسْتَوَيْه: أَلِفُها أَلِفُ قطعٍ، وهي جمعُ يمينٍ عندَهم وإِنَّمَا خُفِّفَتْ همزتُها وطُرِحَتْ فِي الوصلِ لِكثرةِ استعمالِهم لها.
          ومعنى قولِهم: لَيَمِيْنُ اللهِ، أي معنى يمينِ الحالفِ بالله لأنَّ الله لا يجوز أنْ يُوصَفَ أنَّه يحلف بيمينٍ، وإنَّما هذه مِن صِفاتِ المخلوقين.
          ورُوِيَ عن ابنِ عُمَرَ وابنِ عبَّاسٍ أنَّهما كانا يحلفانِ بايْمُ اللهِ، وأَبَى الحلِفَ بها الحسَنُ البصرِيُّ وإبراهيمُ النَّخَعيُّ، وعن مالكٍ أنَّها عنده يمينٌ، وقال الطَّحاويُّ: هي يمينٌ عندَ أصحابِنا، وَهو قولُ مالكٍ. وقال الشَّافعيُّ: إنْ لَمْ يُرِدْ بها يمينًا فليستْ بيمينٍ.
          وقال إسحاقُ: إنْ أرادَ بها اليمينَ كانت يمينًا بالإرادةِ وعَقْدِ القلبِ. وقال أبو عُبَيدٍ: لَيْمُنُكَ وَايْمُنُكَ يمينٌ يُحلف بها، وهي كقولِهم: يَمِينَ اللهِ، ثمَّ يُجمَعُ عَلَى أَيْمُن، ثمَّ يحلفون فيقولون: وأَيْمُنُ اللهِ، ثمَّ كثُرَ فِي كلامِهم فحَذفوا النُّونَ كَما حذفوها مِن لم يكنْ فقالوا: لم يكُ.
          ورُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ أنَّه اسمٌ مِن أسماءِ الله، فإنْ صحَّ ذَلِكَ فهو الحلِفُ بالله. قَالَ الجَوهَريُّ: ربَّما حذفوا منه الياءَ فقالوا: امُ اللهِ، وربَّما أبقَوا الميم وحدَها مضمومةً، فقالوا: مُ اللهِ، ثمَّ كسروها لأنَّها صارت حرفًا واحدًا، فيشبِّهُونها بالباءِ فيقولون: مِ الله، وربَّما قالوا بِضَمِّ الميمِ والنُّون: مُنُ اللهِ، ومَنَ اللهِ بفتحِهِمَا، ومِنِ الله بكسرهما. قَالَ: وأيْمُنُ اللهِ اسمٌ وُضِعَ للقَسَمِ، هكذا بِضَمِّ الميم والنُّون.
          وعبارةُ الدَّاوديِّ: اِيْمُ اللهِ يعني اسمَه، بكسْرِ الأَلِفِ، أُبدِلَ السِّينُ ياءً، وفيه نظرٌ لأنَّ السِّين لا تُبْدَلُ بالياء ولأنَّ أيْمُنُ الله جمعُ يمينٍ كما سلف، واللهُ أَيضًا مفتوحٌ فِي الرَّوايات، ولم يأتِ فيها بالكسرِ عَلَى اللُّغةِ الَّتِي فِيْهِ.
          وقَوْلُهُ: (لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ) أَيْ: حقيقًا لها وأهلًا، يُقَالُ: فلانٌ خَليقٌ بكذا، أَي هُوَ ممَّن يُقَدَّرُ فِيْهِ ذَلِكَ.
          و(تَطْعنُونَ) قال ابنُ فارسٍ عن بعضِهم: طَعَن بالرُّمح، يَطْعُنُ بالضَّمِّ، وطَعَن بالقولِ، يَطْعَنُ بالفتحِ، وفي «الصِّحاح»: طعن فِيْهِ بالقولِ يَطْعُنُ أيضًا بضمِّ العين. قال ابنُ التِّين: وكذا قرأناه بالضَّمِّ.