التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول الرجل: لعمر الله

          ░13▒ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: لَعَمْرُ اللهِ
          قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ☻: {لَعَمْرُكَ} [الحجرات:72]: لَعَيْشُكَ.
          هَذَا مذكورٌ فِي «تفسير الضَّحَّاك» عَنْهُ، وفي تفسيرِه روايةُ إسماعيلَ بنِ أبي زيادٍ الشَّاميِّ، ورُوِّينا فِي كتابِ «الأَيمانِ والنُّذورِ» لابنِ أبي عاصمٍ عن إبراهيمَ بنِ المنذرِ حدَّثنا عبدُ الرَّحمن بن المغيرةِ حدَّثنا عبدُ الرَّحمن بن عبَّاسٍ عن دَلْهَمِ بنِ الأسودِ عن جدِّه عَبْدِ الله عن عمِّه لَقِيطِ بن عامرٍ قَالَ: قال لي رَسُوْل الله صلعم ((لَعَمْرُ إلهكَ)) الحديث.
          6662- ثمَّ ساق البُخَاريُّ حَدِيْثَ عَائِشَةَ ♦ حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللهُ، فَقَامَ رَسُوْل الله صلعم فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: (لَعَمْرُ اللهِ لَنَقْتُلَنَّهُ).
          مَا ذكرَه فِي تفسيرِ:{لَعَمْرُكَ}هُوَ فِي قولِه تَعَالَى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:72] ورَوَى عَنْهُ أبو الجوزاء: معناه بِحياتِك. قال أبو محمَّدٍ: مَا سمعتُ اللهَ حَلَفَ بحياةِ أَحَدٍ غير محمَّدٍ، وهي فضيلةٌ له. قال الزَّجَّاجِيُّ: (لَعَمْرُ اللهِ) كأنَّه حَلَف ببقائِه تعالى.
          قَالَ الجَوهَريُّ: عَمِرَ _بالكسْرِ_ يَعْمَرُ عَمْرًا وعُمْرًا عَلَى غيرِ قياسٍ لأنَّ قياس مصدرِه بالتَّحريكِ، أَي عاش زمانًا طويلًا، وهما وإنْ كانا مصدرَينِ بمعنًى إِلَّا أنَّه استُعمِلَ فِي القَسَمِ المفتوحُ، فإِذَا أدخلتَ عَليه اللَّامَ رَفَعْتَه بالابتداءِ فقلْتَ: لَعَمْرُ اللهِ، واللَّامُ لِتوكيدِ الابتداءِ وَالخبرُ محذوفٌ، أَي مَا أُقسِمُ به، فإنْ لم تأتِ باللَّام نَصَبْتَ نَصْبَ المصادرِ فقلتَ: عَمْرَ اللهِ ما فعلْتُ كذا وعَمْرَكَ اللهُ ما فعلتُ، ومعنى لَعَمْرُ اللهِ وعَمْرَ اللهِ أحلِفُ ببقاءِ الله ودوامِه، فإذا قُلْتَ: عَمْرَكَ اللهُ فكأنَّك قلتَ بتعميرِك الله، أَي بإقرارِكَ له بالبقاءِ.
          وقد سَلَفَ أَنَّ فِي «كتاب محمَّدٍ» فيمن حَلَف فقال: لَعَمْرُ اللهِ: لا يُعجبني، أخافُ أَنْ يكون يمينًا. فشكَّ، وقد اختلفَ العلماء فِيْهِ _أعني فِي قَوْلِه: لَعَمْرُ اللهِ_ فقال مالكٌ والكوفيُّون: هو يمينٌ، وقال الشَّافعيُّ: هو كِنايةٌ، وهو قَوْلُ إسحاقَ.
          حُجَّةُ الأوَّلينَ أَنَّ أهلَ اللُّغةِ قالوا: إنَّها بمعنى بقاءِ الله، وبقاؤُه صِفةُ ذاتِه تَعَالَى، فهي لفظةٌ موضوعةٌ لليمينِ فوجبَ فيها كفَّارةٌ. وأمَّا قولهم: لَعَمْرِي، فقال الحسنُ البصرِيُّ: عليه الكفَّارةُ إذا حَنِثَ فيها، وسائرُ الفقهاء لا يرون فيها كفَّارةً لأنَّها ليست بيمينٍ عندهم.
          وأمَّا الآيَةُ السَّالفةُ وهي: {لَعَمْرُكَ}فإنَّ الله تعالى يُقسِمُ بما شاء مِن خَلْقِه، وقد نهى الشَّارعُ عن الحَلِفِ بغيرِ الله.
          فَصْلٌ: قَوْلُهُ: (فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ) قَالَ: مَن يعذُرُني منه، أَي مَن يُقَنِّحُني باللائمة عليه، فَيَعْذُرُني فِي أمرِه لا يَلُومني. وقَالَ الدَّاوديُّ: يريد أستنصِرُ وأستعينُ بمن يَكْفِيه.