التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من حلف أن لا يدخل على أهله شهرًا وكانَ الشهر تسعًا وعشرين

          ░20▒ بَابُ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى أَهْلِهِ شَهْرًا، وَكَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ
          6684- ذَكَرَ فِيْهِ حَدِيْثَ أنسٍ ☺: آلَى رَسُولُ اللهِ صلعم مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، وَكَانَتِ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ، فَأَقَامَ في مَشْرُبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ نَزَلَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله، آلَيْتَ شَهْرًا؟ فَقَالَ: (إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ).
          الشَّرح: المشْربَةُ: الغُرْفَةُ بفتْحِ الرَّاءِ وضمِّها، وقَالَ الدَّاوديُّ: هي الغُرفةُ الصَّغيرةُ.
          وفِيْهِ دليلٌ لقولِ محمَّد بن عبدِ الحَكَمِ: مَن حَلَف أَلَّا يفعلَ كَذا شهرًا أنَّه يَبَرُّ بتسعٍ وعشرين يومًا، وَخالف مالكٌ فقال: لا يَبَرُّ إِلَّا بثلاثين يومًا، وَقد اختُلف فِي هَذَا الأصلِ هَل تبرأُ الذِّمَّةُ بأعلى الأشياءِ أو بما ينطلِقُ عليه الاسمُ؟ فوقع لمالكٍ فِي كتابِ الحجِّ الثَّاني فيمن قَالَ: للهِ عَلَيَّ هَدْيُ الشَّاةِ: يُجزِئُ إنْ لَمْ تكن نيَّةٌ. وفي كتاب النَّذر فيمن قَالَ: إنْ فعلتُ كذا فَعَلَيَّ هَدْيٌ، عليه بَدَنةٌ.
          وعبارةُ الطَّحاويِّ: ذَهَبَ قومٌ إلى أنَّ الرَّجُلَ إذا حَلَفَ ألَّا يُكَلِّمَ رَجُلًا شَهرًا، فكلَّمَه بعدَ مُضِيِّ تسعةٍ وعشرين يومًا لَا يَحْنَثُ، واحتجَّوا بهذا الحديثِ، وخالفَهم في ذلك آخرونَ فقالوا: إنْ حَلَفَ مع رؤيةِ الهلال فَهو عَلى ذلك الشَّهرِ كَان ثلاثينَ أو أنقَصَ، وإنْ كان حَلَفَ في بعضِ شهرٍ فيمينُه عَلى ثلاثين يومًا، وَهو قولُ الكوفيِّين وَمالكٍ والشَّافعيِّ، وَاحتجُّوا بقولِه ◙: ((الشَّهرُ تسعةٌ وعشرون يومًا، فإنْ غُمَّ عليكم فأكملوا ثلاثين)) فلا نراهُ قد أوجبَ عليهم ثلاثين يومًا وَجَعَلَها على الكمالِ حتَّى يَرَوُا الهلالَ قبْلَ ذلك؟ وأَخْبَرَ أنَّه إنَّما يكون تسعةً وعشرين برؤيةِ الهلالِ قبل الثَّلاثين، وقد رُوِيَ هذا عن الحسنِ البصريِّ.
          ودلَّ نزولُه مِن المشْرُبَةِ لِتِسْعٍ وعشرين أنَّه كان حَلَفَ معَ غُرَّةِ الهلالِ، هذا وجهُ الحديث، ومِن هذا قالَ مالكٌ وأبو حنيفةَ والشَّافعيُّ: إنَّه مَن نذر صوْمَ سَنَةٍ بغيرِ عينِها فله أنْ يصومَها للأهلَّةِ ولِغيرِها، فإنْ صامها للأهلَّةِ فكان الشَّهرُ ناقصًا أجزأَهُ، وَمَا صام لغيرِها أكمَلَها ثلاثين.
          ورَوَى ابنُ وَهْبٍ عن مالكٍ: مَن أفطرَ رمضانَ كلَّه في سَفَرٍ أو مَرَضٍ فكان ناقِصًا / فأخذَ في قضائه شهرًا فكان كاملًا أنَّه يصومُه كلَّه، وإنْ كان شهرُ القَضاء ناقصًا وَرمضانُ كاملًا أجزأَه. وَقال محمَّدُ بنُ عبدِ الحَكَمِ: إنَّما يصومُ عددَ الأيَّامِ الَّتِي أفطرَ، وفي روايةِ ابنِ وَهبٍ مراعاةُ شهرِ القضاءِ، وعَلى قولِ ابنِ عبدِ الحَكَمِ: مراعاةُ شَهر الفائتِ، وَهو أصحُّ في القياسِ لأنَّ الله افترضَ عليه عددَ الأيَّامِ الَّتِي أفطرَ.