التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: لا يحلف باللات والعزى ولا بالطواغيت

          ░5▒ بَابٌ لَا يُحْلَفُ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ
          6650- ذَكَرَ فِيْهِ حَدِيْثَ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺، عَنِ النَّبيِّ صلعم قَالَ: (مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ). وقد سلفَ [خ¦4860] [خ¦6107] [خ¦6301].
          وقَوْلُهُ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) هو كفَّارةٌ لِمَا أَتَى به مِن المعصيةِ، وقيل: إِنَّمَا هَذَا إِذَا كَانَ هَذَا القولُ منه خطأً، ومعنى الحَدِيْثِ الآخَرِ: ((مَن حَلَفَ بملَّةٍ غيرِ الإسلام فهو كما قال)) يريدُ متعمِّدًا، وكذلك هُوَ موجودٌ فِي بعض الرِّوايات، وقيل: لئلَّا يمضي عليه وَقتانِ عَلَى هذه المعصيةِ فَيُخلُّ ذَلِكَ بقولِه: (لا إله إِلَّا الله) وجعلَ الصَّدقةَ كفَّارةً لقولِه: (أُقَامِرْكَ) وإنْ لَمْ يفعلْه.
          قال المهلَّبُ: كان أهلُ الجاهليَّةِ قد جَرَى عَلى ألسنتِهم الحَلِفُ باللَّاتِ والعُزَّى، فلمَّا أسلموا ربَّما جَرَوا عَلى عادتِهم مِن ذلك مِن غيرِ قصدٍ منهم، فكان مَن حَلَفَ بذلك فكأنَّه قد راجعَ حالةً مِن حالةِ الشِّرْكِ وتَشَبَّهَ بهم في تعظيمِهم غيرَ الله، فأَمَرَ الشَّارعُ مَن عَرَضَ له ذلك بتجديدِ مَا أنساهم الشَّيطانُ أنْ يقولوا: لا إله إلَّا الله، فهو كفَّارةٌ له إذْ ذاك براءةٌ مِن اللَّاتِ والعُزَّى ومِن كلِّ ما يُعبَدُ مِن دون الله.
          قال الطَّبريُّ: وقول ذلك واجبٌ مع إحداثِ التَّوبةِ والنَّدمِ على ما قال مِن ذلك والعزمِ على ألَّا يعودَ، فلا يُعَظِّمُ غيرَ الله.
          وقد رَوَى أبو إسحاقَ السَّبيعِيُّ عن مصعبِ بنِ سَعْدٍ عن أبيه قال: حلفتُ باللَّاتِ والعُزَّى، فقال أصحابي: ما نراكَ قُلتَ إلَّا هُجْرًا، فأتيتُ رَسُوْلَ الله صلعم فقلتُ: إنَّ العهدَ كان قريبًا فحلَفْتُ باللَّاتِ والعُزَّى، فقال: ((قلْ لا إله إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، ثلاثَ مرَّاتٍ، وانفُثْ عن شِمالِك ثلاثًا، وتعوَّذْ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ، ولا تَعُدْ)).
          قال الطَّبريُّ: وفيه الإبانةُ أنَّ كلَّ مَن أَتَى أمرًا يكرهه اللهُ تَعَالَى ثمَّ أَتْبَعَهُ مِن العمل بما يرضاه اللهُ ويُحبُّه بخلافهِ ونَدِمَ عليه وتَرَكَ العَوْدَ له، فإنَّ ذلك واضعٌ عنه وِزْرَ عملِهِ، وماحٍ إثمَ خطيئتِه، وذلك كالقائلِ يقولُ: كَفَرَ بالله تعالى إنْ فعلَ كَذا، فالصَّوابُ له أنْ يندمَ عَلى قولِهِ ندامةَ سعدٍ عَلَى حَلِفِه، وأنْ يُحدِثَ مِن قَوْلِ الحقِّ خلافَ مَا قال مِن الباطلِ، وكذلك أعمالُ الجوارح كالرَّجُلِ يَهِمُّ بركوبِ معصيةٍ فإنَّ توبتَه تَرْكُ العزمِ عليه والانصرافُ عمَّا هَمَّ به وأنْ يَهِمَّ بعملِ طاعةٍ لله مكان همِّه بالمعصية، كما قال ◙ لمعاذٍ في وصيَّتِه: ((إذا عملْتَ سيئةً فأتْبِعْها بحسنةٍ تَمْحُها)).
          قال غيرُه: والأمرُ بالصَّدقةِ فِي الثَّاني محمولٌ عِند الفقهاء على النَّدبِ، بدليلِ أنَّ مُريدَ المعصيةِ ولم يفعلْها فليس عليه صدقةٌ ولا غيرُها، بل تُكتَبُ له حسنةٌ كما رواه ابنُ عبَّاس مَرفُوعًا، ورَوَى أبو هُرَيرةَ مرفُوعًا: ((مَن هَمَّ بسيِّئةٍ فلم يعملْها لم يُكتبْ عليه شيءٌ)).
          واحتجَّ ابنُ عبَّاسٍ لروايتِه بقولِه تعالى:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46] قال: هو العبدُ يَهِمُّ بالمعصيةِ ثمَّ يترُكُها مِن خوف الله. وسبق زيادةٌ في معنى هَذَا الحَدِيْثِ في آخِرِ كتابِ الاستئذانِ في باب كلُّ لهوٍ باطلٌ إذا اشتغل عن طاعةِ الله.
          فَصْلٌ: والطَّاغوتُ فِي التَّرجمة قد اختلَفَ السَّلَفُ في معناه، أهو الشَّيطانُ كما قاله عُمَرُ ومُجَاهِدٌ والشَّعبيُّ وَقَتَادةُ وجماعةٌ، أو السَّاحِرُ كما رُوِيَ عَن أبي العاليةِ وابنِ سِيرينَ وغيرِهما، أو الكاهِنُ كَما رُوِيَ عن جابرٍ وسعيدِ بنِ جُبَيرٍ.
          قال الطَّبريُّ: وهو عندي فَعَلُوتٌ مِن الطُّغيانِ، كالجَبَرُوتِ مِن الجَبْرِ والخَلَبُوتِ مِن الخَلْبِ، قيل ذلك لكلِّ مَن طَغَى على ربِّه تَعَالَى فَعُبِدَ مِن دونِه، إنسانًا كان ذلك الطَّاغي أو شيطانًا أو صنمًا.