التوضيح لشرح الجامع البخاري

حديث: أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله

          6633- 6634- الحَدِيْثُ السَّادسُ والسَّابعُ: حَدِيْثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ ☻ فِي قِصَّةِ العَسِيفِ، وفيه: فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلعم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ الله) الحَدِيْث.
          وقد سلَفَ فِي مواضعَ [خ¦2314] [خ¦2695] [خ¦2724] ويأتي أَيضًا [خ¦6827] [خ¦6835] [خ¦6842] [خ¦6859] [خ¦7193] [خ¦7260] وموضِعُ الحاجةِ منه هنا قَوْلُهُ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ)
          وقَوْلُهُ: (وَقَالَ الآخَرُ: أَجَلْ يَا رَسُوْلَ اللهِ) أَي نعم. قال الأخفشُ: أَجَلْ جوابٌ مِثْلُ نعم إِلَّا أنَّه أحسنُ منه فِي التَّصديق، ونعم أحسَنُ منه فِي الاستفهام، فإِذَا قَالَ: أنتَ سوف تذهب؟ قلتَ: أَجَلْ، وكان أحسن منه فِي الاستفهامِ، وإذا قَالَ: تذهبُ؟ قلتَ: نعم، وكان أحسن مِن أَجَل.
          وقَوْلُهُ: (قَالَ مَالِكٌ: وَالعَسِيفُ الأَجِيرُ) هُوَ كَما قال، وقد نصَّ عليه أهلُ اللُّغةِ أَيضًا.
          وفيه فُتيا العالِم مع وجودِ مَن هُوَ أعلمُ منه، قال أبو القاسم العُذْرِيِّ: كَانَ يُفتي مِن الصَّحابةِ فيما بلغني فِي زمنِ رَسُوْلِ الله صلعم الخلفاءُ الأرْبعةُ وثلاثةٌ مِن الأنْصارِ أُبيٌّ ومعاذٌ وزيدُ بن ثابتٍ.
          وقَوْلُهُ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ الله) فِيْهِ ردٌّ عَلى الخوارجِ والمعتزلةِ فِي قولِهم إنَّ أفعالَهم خَلْقٌ لهم دون الله، وقد يجيبون بأنَّه لم يُرِدْ بِذَلِكَ إلَّا إماتةَ نفْسِهِ وقبضِها.
          وقَوْلُهُ: (فَأَخْبَرُونِي أَنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ) قال ابنُ جَرِيرٍ: فِيْهِ أنَّه لم يَحُدَّ قائلَ هَذَا القولِ لِولدِه لأنَّه لا يُحدُّ والدٌ بولدِه، ويُقتصُّ منه إنْ قَتَلَه عَلَى مذهبِ مَن يراه، ومذهبُنا لا قِصاصَ فِيْهِ، ومذهبُ مالكٍ أنَّه إنْ تعمَّد قَتْلَهُ بأنْ أضجَعَهُ فذَبَحَهُ ونحو هَذَا قُتِلَ به، وقال أشهبُ بقولِ الشَّافعيِّ، وَهَذَا الخبرُ لَيس فِيْهِ مَا ذكرَه ابنُ جَرِيرٍ لأنَّ وَلَدَهُ لم يُنكِرْ ذَلِكَ ولا قام بحقِّه فِي ذَلِكَ. /
          وفيه وجوبُ تغريبِ البِكْرِ لأنَّه ◙ سكتَ لَمَّا أخبره بَمقالةِ أهلِ العلم فِيْهِ ولم ينْكِرْهُ، وهَذَا فِي غيرِ الموضع، وإِلَّا فقد نصَّ هنا عليه. وقال أبو حَنِيفةَ: لَا تغريبَ عليه، وَمالكٌ يراه عَلَى الحُرِّ البِكرِ دون المرأة خلافًا للأوزاعِيِّ والشَّافعيِّ فإنَّهما قالا بتغريبهِما، واختلفَ قولُ الشَّافعيِّ فِي تغريبِ العبدِ.
          وقَوْلُهُ: (لأقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ الله) قيل: هُوَ قولُه تَعَالَى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور:8] فالعذابُ الَّذِي تدرأ الزوجةُ عن نفْسِها هُوَ الرَّجمُ، وأهلُ السُّنَّةِ مجمِعُونَ عَلَى أَنَّ الرَّجمَ مِن حُكْمِ الله، وقال قومٌ: إنَّه ليس فِي كتابِ الله وإِنَّمَا هُوَ في السُّنَّة، وإنَّ السُّنَّةُ تنسخُ القُرآن، فَزعموا أَنَّ معنى: (لأقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ الله) أَي بِوَحْيِ اللهِ لا بالمتلوِّ. وقيل: يريدُ بقضاءِ اللهِ وَحُكمِه لقولِه: {كِتَابَ الله عَلَيْكُمْ} [النساء:24] أَي حُكمُه فيكم وقضاؤه عليكم.
          فَصْلٌ: وقَوْلُهُ: (أَمَّا غَنَمُكَ وَجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ) قيل: فِيهِ أنَّ الصُّلحَ الفاسِدَ يُنقَضُ إِذَا وقع، وبوَّبَ البُخَاريُّ عليه فيما مضى فِي الصُّلحِ إِذَا اصطلحوا عَلَى صُلْحِ جَوْرٍ فهو مردودٌ [خ¦2695] وَرَوَى مع هَذَا الخبر: ((مَن أحْدَثَ في أمرِنا هذا ما ليس فيه فهو رَدٌّ)) [خ¦2696] وَهَذَا غيرُ صَحيحٍ فإنَّ الصُّلحَ ها هنا إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى مَا لا يُملَكُ لأنَّ زوجَ المرأةِ لا شَيءَ لَه، وإنَّما وجبَ عليه الحَدُّ وَهو حقٌّ لله تَعَالَى خاصَّةً، وإنَّما فِيْهِ أَنَّ مَن أَخَذَ شيئًا عَلَى مَا لا يملِكُه وجبَ عليه ردُّه وَوجَبَ نَقْضُ ذَلِكَ.
          وقَوْلُهُ: (وَأَمَرَ أُنَيْسًا الأَسْلَمِيَّ...) إلى آخره، قيل: فِيهِ إباحةُ تأخيرِ الحدودِ عندَ ضيقِ الوقتِ، وأنكره بعضُهم وقال: يُرْوَى أَيضًا: ((فَامْضِ إِلَى امرأةِ هَذَا)) وفي لفظٍ: ((اغدُ يا أُنيسُ عَلَى امرأةِ هَذَا)) فلعلَّه مِن بَابِ الرِّوايةِ بالمعنى.
          وقَوْلُهُ: (إِلَى امْرَأَةِ الْآخَرِ) هُوَ بفتْحِ الخاءِ، وكَذا ضَبَطَهُ الدِّمياطِيُّ خَطًّا، وقال ابنُ التِّين: هُوَ بقصْرِ الألِفِ وكسْرِ الخاء، ويُقال فِي المثل: أبعدَ الله الأَخِرَ، كذا رُوِّيناه.
          فَصْلٌ: قَوْلُهُ: (فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا) فِيْهِ أَنَّ مُطْلَقَ الاعترافِ يُوجِبُ الحَدَّ وَلا يُحتاجُ إِلَى تَكرَارِه، وبه قال مالكٌ والشَّافعيُّ، وقال أحمدُ: لا يجبُ إِلَّا باعترافِ أربعِ مرَّاتٍ فِي مجلسٍ أو أربعِ مجالسٍ، وقال أبو حَنِيفةَ: لا يجب إِلَّا باعترافٍ فِي أربعِ مجالسٍ فإنِ اعترفَ ألْفَ مرَّةٍ فِي مجلسٍ واحدٍ فهو اعترافٌ واحدٌ، واستدلَّ به أهلُ الظَّاهرِ عَلَى أَنَّ المقِرَّ بالحدِّ إِذَا رَجَعَ لا يُقبَلُ، وَلا دليلَ فِيْهِ لأنَّه لم يُذكَرْ رجوعُها.
          واختُلِفَ إِذَا رَجَعَ إِلَى غيرِ شُبهةٍ، فقال ابنُ القاسمِ وَجماعةٌ: يَسْقُطُ، وقال ابنُ الماجِشُونَ وأشهبُ: لا. ثالثُها: إنْ مَضَى أكثرُ الحَدِّ فلا يَسقُطُ. رابعُها: ذكره أبو حامدٍ عن مالكٍ أنَّه إنْ رَجَعَ قبْلَ وقوعِ شيءٍ منه عليه قُبِلَ، ومذهبُنا ومذهبُ أبي حَنِيفةَ السُّقوطُ.
          وفيه أنَّه لا يُشترَطُ حضورُ الإمامِ الرَّجمَ واشترطه بعضُهم. واستدلَّ به القاضي عبدُ الوهَّاب عَلَى أَنَّ المرأةَ لا يُحفَرُ لها لأنَّه لم يُذكَرْ فِيْهِ، وهو قولُ مالكٍ وأبي حَنِيفةَ، وقال الشَّافعيُّ: يُحفَرُ لها، واستحسنهُ أصبغُ، وفي مُسلمٍ فِي قِصَّةِ المرأةِ الغامديَّةِ: ((ثمَّ أَمَرَ بها فحُفِرَ لها إِلَى صدرِها وأَمَرَ النَّاسَ فرجموها)).
          وفيه أَنَّ الحاكمَ إِذَا اعترفتْ عندَه رجَمَها، وعبارةُ ابنِ التِّين: فِيه أَنَّ الحاكم يقضي بعلمِه وإنْ لَمْ يَحضُرْهُ أَحَدٌ؛ إذ لم يقل: خُذ معك مَن يَسمعُ اعترافَها، وما عبَّرنا به أولى، وفي روايةٍ: ((فاعترفت، فأمرَ بها رَسُوْل الله صلعم، فرُجِمَت)) [خ¦2724].
          وفيه المبادرةُ بالحدِّ خلافًا لِمَا ادَّعاه بعضُهم كما سلف، وقد استدلَّ به القاضي عبدُ الوهَّاب عَلَى مَا ذكرْناه، وأنَّه إِذَا وَجَبَ لا يُؤخَّرُ لِبَرْدٍ ولا لحرٍّ خلافًا لبعضِ الشَّافعيَّةِ. وفيه دِلالةٌ عَلَى الرَّدِّ عَلَى مَن أنكرَ الرَّجْمَ وهم الخوارجُ ولا يُلتفتُ إليهم. واستُدِلَّ به أَيضًا عَلَى سقوطِ الجَلْدِ مع الرَّجم وفسادِ قولِ الظَّاهريَّةِ ومسروقٍ فِي إيجابِه الجمعَ بينهما فِي حقِّ المحصَن.