التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب عهد الله

          ░11▒ بَابُ عَهْدِ اللهِ ╡.
          6659- 6660- ذَكَرَ فِيْهِ حَدِيْثَ أَبِي وائلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ☺، عَنْ رَسُولِ صلعم قَالَ: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ _أَوْ قَالَ: أَخِيهِ_ لَقِيَ الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ). فَأَنْزَلَ اللهُ ╡ تَصْدِيقَهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيْلًا} [آل عمران 77]. الحَدِيْثَ.
          وقد سلَفَ [خ¦2416] [خ¦2666] [خ¦2673] [خ¦2676] [خ¦4549]
          وذكرْنَا الخلافَ فِي أوائلِ الأَيمانِ فيمَن حَلَفَ بالعهدِ هَل هُوَ يمينٌ أو كنايةٌ فِيْهِ؟ احتجَّ الأوَّلُ بقولِه: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ}الآيَة المذكورة [آل عمران:77] فخصَّ عَهْدَ اللهِ بالتَّقدِمَةِ عَلى سائرِ الأَيمان، فدلَّ عَلى تأكيدِ الحَلِفِ به وَخشيةِ التَّقصيرِ في الوَفاءِ به لأنَّ عهد الله مَا أَخذه عَلى عبادِه ومَا أعطاه عبادَه، قال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ}الآية [التوبة:75] فذمَّهم عَلى تَرْكِ الوفاءِ لأنَّ تارِكَهُ مُستخِفٌّ بمَن كان عاهدَهُ في منعه مَا كان عاهدَهُ.
          قال ابنُ القصَّار: وَاحتجُّوا بقولِه تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل:91] ثمَّ عَطف عليه بقولِه: {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:91] وَلم يتقدَّم ذِكْرُ غيرِ العهد فأعلَمَنا أنَّه يمينٌ مؤكَّدٌ، أَلَا ترى قولَه تعالى: {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} [النحل:91] وقال يَحيى بنُ سعيدٍ في قولِه: {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ} [النحل:91]: العهودَ. وقد رُوِيَ عن جابرِ بن عبدِ اللهِ في قولِه تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] قال: عُقدةُ الطَّلاقِ وعُقدَةُ البيعِ، وعَقْدُ الحَلِفِ وعَقْدُ العَهْدِ، فإذا قال: عليَّ عهدُ الله، فقد عَقَدَ على نفْسِه عقدًا يجب الوفاءُ به لقولِه تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}.
          ورُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ ☻: إذا قال: عَلَيَّ عهدُ الله فحَنِثَ يُعتِقُ رقبةً. فإنْ قال الشَّافعيُّ: فإذا قال: عَلَيَّ عهدُ اللهِ، يحتملُ أنْ يكون معهودُه، وَهو ما ذَكَرَهُ تعالى في قولِه: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} [يس:60].
          وإذا كان هَذا هُو معهودُ اللهِ وَهو مُحْدَثٌ، فهو كقولِه: فَرْضُ اللهِ، يكونُ عِبارةً عن مفروضِهِ ولا يكونُ يمينًا لأنَّه يمينٌ بمحدَثٍ. قيل: قولُه: عَلَيَّ عهدُ الله غيرُ قولِه: معهودُ الله لأنَّه لمْ يَجْرِ العُرْفُ والعادةُ بأنْ يقولَ أَحَدٌ: عَلَيَّ معهودُ اللِه، وإنَّما جَرى بأنْ يُرادَ بذلك اليمينُ.
          وقال مالكٌ: إذا قال: عَهْدُ اللهِ وَميثاقُه، فعليه كفَّارتانِ إلَّا أنْ ينوِيَ التَّأكيدَ، فَتكون يمينًا واحدةً. وقال الشَّافعيُّ: عليه كفَّارةٌ واحدةٌ، وَهو قولُ مُطَرِّفٍ وابْنِ الماجِشُونِ وعيسى بنِ دينارٍ. والحجَّةُ لمالكٍ أنَّه لَمَّا خالفَ بين اللَّفظينِ وكلُّ وَاحدٍ يجوزُ أنْ يُستأنَفَ به اليمينُ كانت يمينينِ ووَجَبَ لكلِّ لفظٍ فائدةٌ مجرَّدةٌ. وقد تَنَازَعَ فيه.
          فَصْلٌ: العَهْدُ عَلَى خمسةِ أوجهٍ، تلزمُ الكَفَّارَةُ فِي وجهينِ، وَتسقُطُ فِي اثنينِ، واختُلِفَ فِي الخامسِ، فإنْ قَالَ: عَلَيَّ عهدُ اللهِ، كفَّرَ إنْ حَنِثَ، وقال الشَّافعيُّ: لا كفَّارة عليه إِذَا أطلَقَ، وَقال الدِّمياطِيُّ: لا كفَّارة عليه إِذَا قَالَ: وعهدِ اللهِ، حَتَّى يقولَ: عَلَيَّ عهدُ الله، أو أَعطيتُكَ عهدَ اللِه، وإِلَّا فلا كفَّارةَ عليه.
          وإنْ قَالَ: أعاهِدُ اللهَ، فقال ابنُ حبيبٍ: عليه كفَّارةُ يمينٍ، وقال ابنُ شَعْبانَ: لا كفَّارةَ عليه. وإنْ قَالَ: وعهدِ اللهِ، كفَّرَ عند مالكٍ وأبي حَنِيفةَ، وقال الشَّافعيُّ: إِذَا أراد به يمينًا كَانَ يمينًا، وإِلَّا فلا. والآيةُ حُجَّةٌ لمالِكٍ في قولِه: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ}الآية [آل عمران:77] وفي روايةٍ أخرى أنَّها نزلتْ فِي رجُلٍ أقام سِلْعَتَه بعد العصرِ وَحلف: لقد أُعطي بها مَا لم يُعطَ، وقد تكون نزلتْ فيهما جميعًا أو في أحدَيهما وَهَمٌ.