التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول الله تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم}.

          ░17▒ بَابُ قَوْلِ اللهِ ╡: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}الآية [آل عمران:77]
          وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لأيْمَانِكُمْ} [البقرة:224]. وَقَوْلِهِ: {وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلًا}الآية [النحل:95] وَقَوْلِهُ: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} [النحل:91].
          6676- 6677- ثُمَّ ساقَ حَدِيْثَ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ☺، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقيَ الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ)، فَأَنْزَلَ اللهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}إِلَى آخِرِ الآيَةِ [آل عمران:77] ثُمَّ ساق باقي الحَدِيْث. وَقد سلفَ [خ¦2416] [خ¦2666] [خ¦2673] [خ¦2676] [خ¦4549] [خ¦6659].
          قال ابنُ بطَّالٍ: وبهذه الآياتَ وَالحديثِ احتجَّ الجمهورُ في أنَّ اليمينَ الغَمُوسَ لا كفَّارةَ فيها؛ لأنَّه ◙ ذكرَ في هَذه اليمينِ _المقصودِ بها الحِنْثُ والعِصيانُ_ العقوبةَ والإثمَ ولم يَذكُرْ فيها كفَّارةً، ولو كانت لذُكِرَتْ كما ذَكَرَ في اليمينِ المعقودةِ فقال: ((فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِيْنِهِ وَلْيَأْتِ الَّذيْ هُوَ خَيْرٌ)) قَالَ: ويقويِّ هذا المعنى قولُه ◙ للمتلاعِنَيْنِ بعد تكرار أيمانِهما: ((اللهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟)) ولم يوجِبْ كفَّارةً، وَلو وَجَبَتْ لذكرَها كما قال: ((هَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟)).
          قال ابنُ المنذر: وَالأخبارُ دالَّةٌ عَلى أنَّ اليمينَ الَّتِي يحلف بها الرَّجُلُ يقتطِعُ بها مالًا حَرامًا هي أعظمُ أنْ يُكفِّرَها مَا يكفِّرُ اليمينَ، ولا نعلم سُنَّةً تدلُّ عَلى قولِ مَن أوجبَ فيها الكَفَّارَةَ، بلْ هي دالَّةٌ على قولِ مَن لم يوجِبْها.
          قال تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا الله عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ}الآية [البقرة:224] قال ابنُ عبَّاسٍ: هو الرَّجُلُ يحلِفُ ألَّا يَصِلَ قرابَةً فَجَعَلَ اللهُ له مَخرَجًا في التَّكفيرِ، وأَمَرَهُ ألَّا يَعْتَلَّ بالله ويكفِّرَ يمينَه ويَبَرَّ. وأمَّا الخطَّابيُّ فقال: فِيْهِ حُجَّةٌ لمن يَرَى الكَفَّارَةَ فيها. وقال زيدُ بن أَسْلمَ: أي يُكْثِرُ الحَلِفَ به، وإنْ كانوا برَرةً مصلحينَ بين النَّاسِ. وقال سعيدُ بنُ جُبَيرٍ: هُوَ الرَّجُلُ يحلفُ أَلَّا يَبَرَّ ولا يُصَلِّيَ ولا يُصلِحَ فيُقال له: بِرَّ، فيقول: قد حلفتُ. والتَّقديرُ: كراهةَ أَنْ تبرُّوا، ونحو هَذَا فِي «كتاب محمَّدٍ» قَالَ: هُوَ أَنْ يحلِفَ عَلَى / أَلَّا يَبرَّ وَلا يَصِلَ رَحِمَه فقال تعالى: {أَنْ تَبَرُّوا} [البقرة:224] فهو ممَّا مضى على مَا لا يُصلِحُ فينبغي أَنْ يكفِّرَ ويأتي بما هُوَ خيرٌ.
          فَصْلٌ: يمينُ الصَّبْرِ هو أنْ يحبِسَ السُّلطانُ رَجُلًا على يمينٍ حتَّى يحلِفَ بها، ويُقال: صَبَرْتُ يَمِينَه أي حلَّفتُه بالله، وأصل الصَّبْرِ الحَبْسُ، ومعناه الجبْرُ عليها. قَالَ الدَّاوديُّ: معناه أَنْ يوقَفَ حَتَّى يحلِفَ عَلَى رؤوسِ النَّاسِ.
          فَصْلٌ: واحتَجَّ بهذه الآيَة فِي «المعونة» على أَنَّ العهدَ يمينٌ، قَالَ: وذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ العهدَ والميثاقَ والكفالةَ أيمانٌ، وَلأنَّ عُرْفَ النَّاسِ جارٍ بالحَلِفِ بهذه الأشياء، وَهي مِن صفاتِ الذَّات.
          فَصْلٌ: وقَوْلُهُ: (إذًا يَحْلِفَ) هُوَ بنصْبِ الفاء لأنَّه فعلٌ مستقبلٌ منصوبٌ بـ (إذًا).