التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب النية في الأيمان

          ░32▒ بَابُ النِّيَّةِ فِي الأيْمَانِ
          6689- ذَكَرَ فِيهِ حَدِيْثَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ ☺: (إِنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّةِ).
          وَقد سَلَفَ أوَّلَ الكتابِ واضحًا، قال المهلَّبُ وغيرُه: إذا كانت اليمينُ بينَ العبد وربِّه وَأَتَى مستفتيًا فَلا خِلاف بين العلماء أنَّه يُنَوَّى ويُحمَلُ عَلى نيَّتِه، وأمَّا إذا كانت اليمينُ بَيْنَهُ وبين آدميٍّ وادَّعى في نيَّةِ اليمين غيرَ الظَّاهرِ لم يُقبَلْ قولُه، وحُمِلَ على ظَاهرِ كلامِه إذَا كانت عليه بيِّنةٌ بإجماعٍ.
          و إنَّما اختلفوا في النِّيَّةِ إذا كانتْ نيَّةَ الحالِفِ أو نيَّةَ المحلوفِ له، فقالتْ طائفةٌ: النِّيَّةُ في حقوقِ الآدميِّ نِيَّةُ المحلوفِ له عَلى كلِّ حالٍ وهو قولُ مالكٍ، وقال آخَرون: النِّيَّةُ نِيَّةُ الحالِفِ أبدًا وله أنْ يُورِّيَ، واحتجُّوا بحديثِ البابِ.
          وحُجَّة مالكٍ أنَّ الحالِفَ إنَّما ينبغي أنْ يكونَ يمينُه عَلى ما يدَّعي عليه صاحبُهُ لأنَّه عليه يُحَلِّفُهُ، وقد أجمعوا أنَّه لا يُنتفع بالتَّورية إذا اقتطعَ مَال امرئٍ مُسلمٍ بيمينه، فكذلك لا يُنتَفَعُ بالتَّوريةِ في سائرِ الأَيمان، وَسيأتي اختلافُهم في يمينِ المكرَه وَحيث تجوزُ التَّوريةُ في آخِرِ كتاب الإكراه، أو كتابِ تَرْكِ الحِيَلِ إنْ شاء الله تعالى، وَشيءٌ مِنه مذكورٌ في بابِ المعاريض مندوحةٌ عَن الكَذِبِ في آخر كتاب الأدب أيضًا كَما سلف.