شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الطاعم الشاكر مثل الصائم الصابر

          ░56▒ بابٌ الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ(1) مِثْلُ الصَّائِمِ الصَّابِرِ.
          والرَّجُلُ يُدْعَى إِلَى الطَّعَامِ فَيَقُولُ: وَهَذَا مَعِي.
          وَقَالَ أَنَسٌ: إِذَا دَخَلْتَ عَلَى مُسْلِمٍ لَا يُتَّهَمُ فَكُلْ(2) مِنْ طَعَامِهِ وَاشْرَبْ مِنْ شَرَابِهِ.
          فيه: أَبُو مَسْعُودٍ: (أَنَّ أَبَا شُعَيْبٍ كَانَ لَهُ غُلامٌ، فَأَتَى النَّبيَّ صلعم وَهُوَ في أَصْحَابِهِ يُعْرَفُ(3) الْجُوعُ فِي وَجْهِه، فَقَالَ لغُلامِهِ: اصْنَعْ لِنا طَعَامًا يَكْفِي خَمْسَةً، فَأَتَاهُم فَتَبِعَهُمْ رَجُلٌ، فَقَالَ النَّبيُّ صلعم: إِنْ شِئْتَ أَذِنْتَ لَهُ...) الحديث. [خ¦5461]
          قال المؤلِّف: لم يذكر البخاري حديثًا في الطَّاعم الشَّاكر، وذكر ابن المنذر قال في حديث سِنان بن سَنَّة(4) أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: ((الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الصَّائِمِ الصَّابِرِ)) ورواه عبد الرزَّاق عن مَعْمر عن رجل مِن غِفَار أنَّه سمع سعيد المَقْبُري يحدِّث عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صلعم(5)، وهذا مِن عظيم تفضُّل اللهِ ╡ على عبادِه أن جعل للطَّاعم إذا شكر الله(6) على طعامِه وشرابِه ثواب الصَّائم الصَّابر.
          ومعنى الحديث _والله أعلم_ التَّنبيه على لزوم الشُّكر للهِ تعالى على جميع نعمِه، صغيرِها وكبيرِها، فكما ألحق ◙ الطَّاعم الشَّاكر بالصَّائم الصَّابر في الثَّواب دلَّ على أنَّه تعالى كذلك يفعل في شكر سائر النِّعم لأنَّها كلَّها مِن عند الله تعالى لا صنع في شيء منها للمخلوقين، فهو المبتدئ بها والمُلْهِم للشُّكر عليها والمثيب على ذلك، فينبغي(7) للمؤمن لزوم الشكر لربه ╡ في جميع حركاتِه وسكناتِه(8) وعند كلِّ نفس وكلِّ طرفة، وليعلم العبد تحت ما هو مِن نعم مولاه ولا يفتر لسانه عن شكرِها، فتستديم النِّعم والعافية لقولِه ╡: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}[إبراهيم:7]وروى مَعْمر عن قتادة والحسن قالا: عُرِضت على آدم ذرِّيَّتُه فرأى فضل بعضِهم على بعض، فقال: أي ربِّ، هلا سويَّت بينَهم؛ فقال: إني أحب أن أُشْكَرَ.
          فإن قال قائل: فهل يسمَّى الحامد لله على نعمه شاكرًا؟ قيل: نعم؛ روى مَعْمر عن قتادة عن ابن عمر أنَّ النَّبي صلعم قال: ((الحَمْدُ رَأْسُ الشُّكْرِ، مَا شَكَرَ اللهَ عَبْدٌ لَا يَحْمِدُهُ)) وقال الحسن: ما أنعم الله على عبد نعمة فحمد الله عليها إلَّا كان حمدُه أعظم منها كائنة ما كانت. وقال النَّخَعِي: / شكر الطَّعام أن تسمِّي إذا أكلت، وتحمِد إذا فرغت.
          وقد تقدَّم معنى حديث أبي مسعود في كتاب البيوع(9) في باب ما قيل في اللَّحَّام والجزَّار(10).


[1] قوله: ((الطاعم الشاكر)) تكرر في (ز) و(ص).
[2] في (ص): ((وكل)).
[3] في (ص): ((فَعَرَفَ)).
[4] في (ص): ((منبه)) والمثبت من (ص).
[5] زاد في (ص): ((مثله)).
[6] في (ص): ((لله)).
[7] في (ص): ((وينبغي)).
[8] في (ص): ((وسكونه)).
[9] في (ص): ((وقد تقدم في البيوع)).
[10] قوله: ((في باب ما قيل في اللحام والجزار)) ليس في (ص).