شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الحلواء والعسل

          ░32▒ بابُ الحَلْوَاءِ وَالعَسَلِ؟
          فيه: عَائِشَةُ: (كَانَ النَّبيُّ صلعم يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ). [خ¦5431]
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: (كُنْتُ أَلْزَمُ النَّبيَّ(1) صلعم لِشِبَعِ بَطْنِي حِينَ لَا آكُلُ الْخَمِيرَ، وَلَا أَلْبَسُ الْحَرِيرَ، وَلَا يَخْدُمُنِي فُلانٌ وَلا فُلانَةُ، وَأُلْزِقُ بَطْنِي بِالْحَصْبَاءِ، وَأَسْتَقْرِئُ الرَّجُلَ الآيَةَ وَهِي مَعِي كَيْ يَنْقَلِبَ بِي فَيُطْعِمَنِي، وَخَيْرُ النَّاس لِلْمَسَاكِينِ جَعْفَرُ بْنُ أبي طَالِبٍ يَنْقَلِبُ بِنَا فَيُطْعِمُنَا مَا كَانَ في بَيْتِهِ، حتَّى إِنْ كَانَ لَيُخْرِجُ إِلَيْنَا الْعُكَّةَ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، فَنَشْتَقُّهَا فَنَلْعَقُ مَا فِيهَا). [خ¦5432]
          الحلواء والعسل مِن جملة الطيِّبات المباحة في قولِه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُواْ لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ}[المائدة:87]وفي قولِه(2) تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}[الأعراف:32]على قول مَن ذهب إلى أنَّ الطيِّبات مِن الرِّزق في الآية المستلذُّ مِن الطَّعام، ودل حديث عائشة على صحَّة هذا التَّأويل لمحبَّة رسول الله صلعم الحلواء والعسل، وأنَّ ذلك مِن طعام الصَّالحين الأبرار(3) اقتداء بحبِّ النَّبيِّ صلعم لهما، ودخل في معنى هذا الحديث كل ما شاكل الحلواء والعسل مِن أنواع المآكل اللَّذيذة الحلوة المطعم، كالتَّمر والتِّين والزَّبيب والعنب، والرُّمَّان وشِبْهِ ذلك من الفواكه.
          وفي حديث أبي هريرة مِن الفقه الاقتصاد في المعيشة والأخذ منها بالبُلغة الباعثة على الزُّهد في الدُّنيا، وفيه فضل جعفر بن أبي طالب ووصفُه بالكرم والتَّواضع لتعاهده للمساكين وإطعامِه لهم في بيتِه وإكرامِه(4) بذلك، وفي قول أبي هريرة: (إِنْ كَانَ لَيُخْرِجُ إِلَيْنَا العُكَّةَ لَيْسَ فِيْهَا شَيْءٌ فَنَشْتَقُّهَا وَنَلْعَقَ مَا فِيْهَا) جواز الصَّدقة بالشَّيء التَّافه لأنَّ ذلك لا يخلو أن يكون فيه مثاقيل ذرٍّ كثيرة.


[1] في (ص): ((رسول الله)).
[2] في (ص): ((وقوله)).
[3] في (ص): ((والأبرار)).
[4] في (ص): ((وإكرامهم)).