شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما كان السلف يدخرون في بيوتهم وأسفارهم من الطعام

          ░27▒ بابُ مَا كَانَ السَّلَفُ يَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِهِم وَأَسْفَارِهِمْ مِنَ الطَّعَامِ وَاللَّحْمِ وَغَيْرِهِ.
          وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَأَسْمَاءُ: صَنَعْنَا(1) لِلنَّبِيِّ صلعم وَأَبِيْ بَكْرٍ سُفْرَةً.
          فيه: عَائِشَةُ: (سُئِلَتْ أَنَهَى النَّبيُّ صلعم أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الأضَاحِي فَوْقَ ثَلاثٍ؟ قَالَتْ: مَا فَعَلَهُ إِلَّا فِي عَامٍ جَاعَ النَّاس فِيهِ، فَأَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ الْغَنِيُّ الْفَقِيرَ، وَإِنْ كُنَّا لَنَرْفَعُ الْكُرَاعَ فَنَأْكُلُهُ بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ، قِالَ: مَا اضْطَرَّكُمْ إِلَيْهِ؟ فَضَحِكَتْ، قَالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّد مِنْ خُبْزِ بُرٍّ مَأْدُومٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ حتَّى لَحِقَ بِاللهِ). [خ¦5423]
          وفيه: جَابِر: (كُنَّا نَتَزَوَّدُ لُحُومَ الْهَدْي على عَهْدِ رسُول الله صلعم إِلَى الْمَدِينَةِ). [خ¦5424]
          هذا الباب ردٌّ على الصُّوفيَّة في قولِهم أنَّه لا يجوز ادِّخار طعام الغد، وأنَّ المؤمن الكامل الإيمان لا يستحقُّ اسم الولاية لله ╡ حتَّى يتصدَّق بما فضل عن شبعِه ولا يترك طعامًا لغدٍ ولا يُصبح عنده شيء مِن عين ولا عرض ويُمسي كذلك، ومَن خالف ذلك فقد أساء الظَّنَّ بربِّه(2) ولم يتوكَّل عليه حقَّ توكُّله، وهذه الآثار ثابتة بادِّخار النَّبيِّ والصحابة(3) ♥ وتزوُّد النَّبيِّ صلعم وأصحابِه في أسفارِهم وهي المقنع والحجَّة الكافية في ردِّ قولِهم، والله الموفِّق.
          وقد تقدَّم في كتاب الخمس في حديث مالك بن أوس بن الحَدَثَان(4) قول عُمرَ لعليٍّ والعبَّاس حين جاءا يطلبان ما أفاء الله على رسولِه مِن بني النَّضير إلى قول عمر(5): ((فَكَانَ النَّبيُّ صلعم يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا المَالِ)) وقد صحَّ بهذا ادِّخارُه صلعم لأهلِه قوت سنتِهم، وفيه الأسوة الحسنة، وفي باب نفقة نساء النَّبيِّ صلعم بعد وفاتِه، في كتاب الخُمُس أيضًا استقصاء الحجَّة في هذه المسألة والأحاديث المعارضة لها فأغنى ذلك عن إعادتِه(6).


[1] في (ص): ((صنعت)).
[2] في (ص): ((بالله)).
[3] في (ص): ((بادخار الصحابة)).
[4] قوله: ((في حديث مالك بن أوس بن الحدثان)) ليس في (ص).
[5] قوله: ((حين جاءا يطلبان... قول عمر)) ليس في (ص).
[6] قوله: ((فأغنى ذلك عن إعادته)) ليس في (ص).