شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ذكر الطعام

          ░30▒ بابُ ذِكْرِ الطَّعَامِ.
          فيه: أَبُو مُوسَى قَالَ النَّبيُّ صلعم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الأتْرُجَّةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلِ التَّمْرَةِ لا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ...) الحديث. [خ¦5427]
          وفيه: أَنَسٌ قَالَ النَّبيُّ صلعم: (فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ). [خ¦5428]
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ النَّبيُّ صلعم: (السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ، يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ...). [خ¦5429]
          قال المؤلِّف: معنى هذه التَّرجمة _والله أعلم_ إباحة أكل الطَّعام الطَّيِّب وكراهة أكل المرِّ، وأنَّ الزُّهد ليس(1) في خلاف ذلك ألا ترى أنَّ النَّبيَّ صلعم شبَّه المؤمن الَّذي يقرأ القرآن بالأُتْرُجَّة الَّتي(2) طعمُها طيِّب وريحها طيِّب، وشبَّه المؤمن الَّذي لا يقرأ القرآن بالتَّمرة طعمُها حلو(3) ولا ريح لها، ففي هذا ترغيب في أكل الطَّعام الطَّيِّب وأكل الحلو، ولو كان الزُّهد فيه أفضل لما شبَّه النَّبيُّ صلعم ذلك مرَّة بقراءة القرآن ومرَّة بالإيمان، فكما يفضل المؤمن بقراءة القرآن وبالإيمان فكذلك فضل الطَّعام الطَّيِّب سائر الطَّعام، ويشهد لهذا أنَّه فضَّل عائشة على النِّساء كفضل الثَّريد على سائر الطَّعام، وهذا تنبيه منه صلعم على أكل الثَّريد واستعمالِه لفضلِه، وتشبيهِه ◙ المنافق بالحنظلة والرَّيحانة اللَّتين طعمُهما مرٌّ فذلك غاية الذَّمِّ للطَّعام المرِّ، إلا أنَّ السَّلف كرهوا الإكثار مِن أكل الطَّيِّبات وإدمانها خشية أن يصير ذلك لهم عادة، فلا تصبر نفوسُهم على فقدِها رياضة لهم وتذليلًا وتواضعًا.
          فإن قيل: فما معنى حديث أبي هريرة وليس فيه ذكر أفضل الطَّعام ولا أدناه؟ قيل: يحتمل أن يريد به أنَّ ابن آدم لابدَّ له في الدُّنيا مِن طعام يقيم به جسدَه ويقوَى به على طاعة ربِّه، وأنَّ الله تعالى جبل النُّفوس على الأكل والشُّرب والنَّوم وذلك قوام الحياة، والنَّاس في ذلك بين مقلٍّ ومكثر، فالمؤمن يأخذ مِن(4) ذلك قدر إيثارِه للآخرة والدُّنيا.


[1] قوله: ((ليس)) زيادة من (ص).
[2] في (ز): ((الَّذي)) وفي (ص): ((أي)) والصواب المثبت.
[3] في (ص): ((طيب)).
[4] في (ص): ((في)).