شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: طعام الواحد يكفي الاثنين

          ░11▒ بابُ طَعَامِ الوَاحِدِ يَكْفِي الاِثْنَيْنِ.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (طَعَامُ الاِثْنَيْنِ كَافِي الثَّلاثَةِ، وَطَعَامُ الثَّلاثَةِ كَافِي الأرْبَعَةِ). [خ¦5392]
          يريد أنَّه ما شبع منه اثنان يكفي ثلاثة رجال وما يشبع منه ثلاثة يكفي أربعة(1) والكفاية ليست بالشِّبع والاستبطان كما أنَّها ليست بالغنى والإكثار، ألا ترى قول أبي حازم: ابن آدم(2) إذا كان ما يكفيك لا يغنيك فليس شيء يغنيك.
          وقد روي لفظ التَّرجمة عن النَّبيِّ صلعم مِن حديث ابن وهب عن ابن لهيعة عن أبي الزُّبير عن جابر قال: سمعت النَّبيَّ صلعم يقول: ((طَعَامُ الوَاحِدِ يَكْفِي الاِثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الاِثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةِ)).
          قال المهلَّب: والمراد بهذه الأحاديث الحضُّ على المكارمة في الأكل والمواساة والإيثار على النَّفس الَّذي مدح الله تعالى به أصحاب / نبيِّه صلعم، فقال: {وَيُؤْثِرُونَ على أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}[الحشر:9]ولا يراد بها معنى(3) التَّساوي في الأكل والتَّشاحِّ لأنَّ قوله صلعم: (كَافِي الثَّلَاثَةِ) دليل على الأثرة الَّتي كانوا يمتدحون بها والتَّقنُّع بالكفاية، وقد همَّ عُمَر بن الخطَّاب في سنة مجاعة أن يجعل مع كلِّ أهل(4) بيت مثلَهم وقال: لن يهلك أحد عن نصف قُوْتِه.
          قال ابن المنذر: وحديث أبي هريرة يدلُّ على أنَّه يستحبُّ الاجتماع على الطَّعام وألَّا يأكل المرء وحدَه؛ فإنَّ البركة في ذلك على ما جاء في حديث وحشي عن النَّبيِّ صلعم، وسيأتي في باب مَن أدخل الضِّيفان عشرة عشرة إن شاء الله تعالى.


[1] قوله: ((يريد أنه ما شبع... يكفي أربعة)) ليس في (ص).
[2] قوله: ((ابن آدم)) زيادة من (ص).
[3] في (ص): ((مع)).
[4] قوله: ((أهل)) ليس في (ص).