شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من أدخل الضيفان عشرةً عشرةً

          ░48▒ بابُ مَنْ أَدْخَلَ الضِّيفَانَ عَشَرَةً عَشَرَةً وَالجُلُوسِ عَلَى الطَّعَامِ عَشَرَةً عَشَرَةً.
          فيه: أَنَسٌ: (أَنَّ أُمَّهُ أُمَّ سُلَيْمٍ عَمَدَتْ إِلَى مُدٍّ(1) مِنْ شَعِيرٍ جشَّتْهُ، وَجَعَلَتْ مِنْهُ خَطِيفَةً وَعَصَرَتْ عُكَّةً عِنْدَهَا، ثُمَّ بَعَثَتْنِي إِلَى النَّبيِّ صلعم فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ في أَصْحَابِهِ فَدَعَوْتُهُ، قَالَ: وَمَنْ مَعِي، قَالَ: فَجِئْتُ فَقُلْتُ: إِنَّهُ يَقُولُ وَمَنْ مَعِي؟ فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَبُو طَلْحَةَ، فقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إنَّما هُوَ شَيْءٌ صَنَعَتْهُ أُمُّ سُلَيْمٍ، فَدَخَلَ رَسُوْلُ اللهِ فَجِيءَ بِهِ، وَقَالَ: أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً فَأَكَلُوا حتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ قَالَ: أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً، فَدَخَلُوا فَأَكَلُوا حتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ قَالَ: أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً، فَدَخَلُوا فَأَكَلُوا حتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ قَالَ: أَدْخِلْ عَلَيَّ(2) عَشَرَةً(3) حتَّى عَدَّ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ أَكَلَ النَّبيُّ صلعم، ثُمَّ قَامَ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ هَلْ نَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ). [خ¦5450]
          فيه أنَّ الاجتماع على الطَّعام مِن أسباب البركة فيه، وقد روي: أنَّ أصحاب رسول الله(4) صلعم قالوا: يا رسول الله إنَّا نأكل فلا(5) نشبع، قال: ((فَلَعَلَّكُمْ تَأْكُلُونَ وَأَنْتُمْ مُفْتَرِقُونَ؟)) قالوا: نعم، قال: ((فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ تَعَالى يُبَارِكْ لَكُمْ)) رواه أبو داود، قال: حدَّثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا الوليد بن مسلم حدَّثنا وحشيُّ بن حرب عن أبيه عن جدَّه أنَّ أصحاب النَّبيِّ صلعم قالوا.. الحديث(6)
          وإنَّما أدخلهم النَّبيُّ صلعم عشَرة عشَرة _والله أعلم_ ولم يجمعهم كلَّهم على الأكل لأنَّها كانت قصعة واحدة فيها مدٌّ مِن شعير ولا يمكن مثل هذه الجماعة الكثيرة أن يقدروا على التَّناول مِن هذا المقدار القليل، فجعلهم ◙ عشَرة عشَرة ليتمكَّنوا مِن الأكل ولا يؤذي بعضُهم بعضًا في التَّزاحم على الطَّعام، وليس في الحديث دليل أنَّه لا يجوز أن يجلس على مائدة أكثر مِن عشَرة كما ظنَّ مَن لم يمعن(7) النَّظر في ذلك لأنَّ أصحاب النَّبيِّ صلعم قد أكلوا في الولائم مجتمعين، وفيه علامة النُّبوَّة لأنَّ الطَّعام كان مدًّا مِن شعير وأكل منه أربعون رجلًا ببركة النُّبوَّة المعصومة، ثم أكل منه النَّبيُّ صلعم بعد ذلك وبقي الطَّعام على حالِه، وهذا مِن أعظم البراهين وأكبر المعجزات.
          وقال ابن السِّكِّيت: الخطيفة: الدَّقيق يُذَرُّ على اللَّبن ثم يُطبَخ فيَلْعَقُه النَّاس.


[1] في (ز): ((مدَّين)) والمثبت من (ص).
[2] قوله: ((علي عشرة فَدَخَلُوا...ثُمَّ قَالَ: أَدْخِلْ علي)) ليس في (ص).
[3] قوله: ((فَدَخَلُوا فَأَكَلُوا حتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ قَالَ: أَدْخِلْ علي عَشَرَةً)) ليس في المطبوع.
[4] في (ص): ((النَّبي)).
[5] في (ص): ((ولا)).
[6] قوله: ((الحديث)) ليس في (ص).
[7] في (ص): ((ينعم)).